الكسليك ـ جوانا عازار
لم تعد دراسة اللاهوت مرتبطة حصريّاً بالخدمة الكهنوتيّة بل تعدّت ذلك لتشهد «هجمة» من طلاب علمانييّن في كلياّت اللاهوت في الجامعات ومعاهد التنشئة التي تتزايد في المناطق اللّبنانيّة
«ليس كل من يدرس اللاهوت يتوجه نحو الرهبنة»، هذا على الأقل ما نراه في كليّة اللاهوت في جامعة الروح القدس الكسليك. فطلاب الكلية الذين يناهز عددهم في السنة الأولى ــــــ القسم الفرنسيّ الثلاثين طالباً، ونحو 15 طالباً في القسم العربي، يأتون من خلفيات مختلفة إذ ينتمي بعضهم إلى الأبرشيّات والإكليريكيّات ودور التنشئة الرهبانيّة، فيما يتابع طلاب علمانيون دروس اللاهوت تحقيقاً لرغبة ذاتيّة لديهم.
ويحضّر الطالب العلمانيّ بولس الحاج لدبلوم دراسات معمّقة في اللاهوت بعدما حاز إجازة في الفلسفة وأخرى في اللاهوت، ويقول إنّه درس اللاهوت أيّام الحرب اللبنانيّة حيث كان يحتاج إلى «نفحة إلهيّة للخروج من اليأس الذي كان يغمر النّفوس»، مشيراً إلى «أنّ للعلمانيّ دوراً كبيراً في الكنيسة والمجتمع إلى جانب رجل الدين، فهو يجمع النظرة الإيمانيّة إلى الواقع المعيش». وترى الأخت وديعة اسحق التي تتابع دراسة اللاهوت في السنة الرابعة أنّ دراستها ساعدتها على التعمّق أكثر في دعوتها الرهبانيّة، وخصوصاً «أنّ الإيمان يتطلّب وعياً كبيراً والمطلوب من خلاله فهم أعمق للإنسان بهدف إيصال رسالة الإيمان بشكل أفضل. كما أنّ هذا الوعي يسهم في تنميتنا عمليّاً ضمن جماعاتنا في الأديرة». بدوره، يقول الراهب سلوانس شمعون الذي يتابع سنته الدراسيّة الرابعة إنّ «اللاهوت يساعد كلّ شخص على فهم إيمانه وانتمائه»، وهو يفكّر في استكمال دراسته للدبلوم وبعدها الدكتوراه.
يذكر أنّ الطلاب الراغبين بمتابعة دراستهم في الكلية يجب أن يكونوا حائزين شهادة جامعيّة سابقة أو شهادة البكالوريا القسم الثاني، ما عدا بعض الحالات لطلاب لا يحملون شهادة البكالوريا ويتابعون الدروس من دون أن يحصلوا على شهادة من الكليّة. معظم طلاب الكلية هم لبنانيّون مع قلّة منهم من سوريا، العراق، فلسطين ومصر وبعض الأجانب من أوروبا وأميركا اللاتينيّة من منظّمة «الموعوظون الجدد» في فرعها الشرق أوسطي. فيما يتقلّص عدد الطلاب المتابعين لدبلوم الدراسات المعمّقة والدكتوراه لما تتطلّبه الدراسة من تفرّغ وتعمّق.
وتدرّس الكليّة الخطاب اللاهوتي الكاثوليكي في جميع مواضيعه: الكتاب المقدّس، العقائد، الأخلاقيّات، التاريخ الكنسي، الحركة المسكونيّة، والحوار بين الأديان. وهكذا يبحث طلاب كليّة اللاهوت خلال سنوات دراستهم الخمس الخطاب اللاهوتي بكلّ مظاهره المتوارث. من هنا على اللاهوتيّ أن يلمّ بالعلوم الإنسانيّة، وخصوصاً الفلسفيّة منها إلى جانب المواد اللاهوتيّة لفهم أعمق للخطاب اللاهوتيّ الذي سيقدّمه إلى الأبناء بعد تكييفه مع مختلف البيئات والأوساط.
وقد اعترفت الدولة اللّبنانيّة رسميّاً بالكليّة سنة 1962. ويقول عميدها الأب بولس روحانا إنها «حبريّة» منذ سنة 1982 أي إنّها «تخضع في برامجها وهيكليّتها للنظام الكنسيّ الرومانيّ وتدخل بالتالي ضمن شبكة عالميّة من كليّات لاهوت تخضع إلى نظام كنسيّ وجامعيّ مشترك. من هنا لروما حقّ الإشراف على برامج الكليّة ليكون التعليم موافقاً للعقيدة الكاثوليكيّة وهي تعطي الموافقة على تعيين الأساتذة المتفرّغين في الكليّة».
وكون الكليّة حبريّة لا يمنع أنّ تكون شرقيّة، ويقول العميد الأب روحانا: «تستمدّ الكليّة شرقيّتها من الكنيسة الانطاكيّة المارونيّة التي ننتمي إليها ونسعى إلى خدمتها، وهي مؤتمنة على إحياء تراث لاهوتي وليتورجي شرقيّ».
وتنظم الكلية نشاطات مشتركة مع كليّات ومعاهد مختلفة، منها نشاطات وندوات مسكونيّة على صعيد الأساتذة من مختلف الكليّات تعالج موضوعات مشتركة إيماناً منها بضرورة تقريب وجهات النّظر بين الجميع. كما تعنى الكليّة بإصدار منشورات متخصّصة مثل مجلّة «Parole de l’orient» التي تعنى بالتراث المشرقيّ والسرياني والعربي المسيحيّ، كما تنشر مجلّة «Biblia» باللغة العربيّة وهي متخصّصة بالكتاب المقدّس. وستصدر الكليّة قريباً مجلّة لاهوتيّة تنشر أعمال الأساتذة كلّ حسب اختصاصه باللغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة.