كامل جابر
«الكريدين» أو «الكريدية» اسم يطلق على العشيرة العربية التي كانت تقطن قرب الحدود اللبنانية السورية والفلسطينية، قبل أن يأتي عدوانا 1967 و1977 ويشتّتا أبناءها في تجمّعات بين النبطية والزهراني فيما لم تبادر الدولة اللبنانية إلى إعادتهم إلى أرضهم، حتى بعد التحرير عام 2000

كان عام 1967 بمثابة الكابوس لعشيرة الكريدين المنتشرة عند مثلث الحدود اللبنانية ــــــ السورية ــــــ الفلسطينية، بين عين عرب والوزاني والعباسية وسرده. إذ سبّب العدوان الإسرائيلي التهجير الجماعي الأول، بعد سلسلة من الاعتداءات، كانت قد بدأت منذ عام 1948. ثم جاء الاحتلال المباشر للمنطقة عام 1977 ليطلق التهجير الكلّي، ويلتحق مهجّرو المرحلة الثانية بالمهجرين الأوائل الذين انتشروا مع عائلاتهم وأبنائهم في أماكن غير مأهولة بين حبوش ودير الزهراني وكفروة وزفتا في قضاء النبطية؛ والمصيلح والنجارية في منطقة الزهراني.

المصيلح: التجمّع الأكبر

يعدّ تجمع المصيلح الأكبر لعائلات قدِم معظمها من الوزاني في قضاء مرجعيون «أقمنا ممانعة ضد إسرائيل ورفضنا التعاون معها؛ لذلك جوبهنا وضُيّق علينا، فأُبعدنا عن المنطقة، واخترنا مكاناً أبعد قليلاً عن جنوب الليطاني، ورحنا نبحث عن بديل مؤقت. كانت القرى المسيحية في منطقة شرق صيدا خالية لكننا رفضنا أن نسكن في بيوت ليست لنا، لأننا عانينا الظلم ولا نرغبه لغيرنا. أقمنا في بيوت من الزينكو في وقت لم نجد فيه من يتجاوب معنا أو ينظر إلى حالنا من أي فصيل من الدولة»، والكلام لمدير مدرسة تجمّع المصيلح الرسمية عمر المصطفى.
المصطفى أشار إلى أن المساعدة الأولى وصلت «من السيد موسى الصدر الذي وزّع علينا شوادر بيضاء كانت بمثابة السكن الأول، قبل أن نبدأ بشراء الأرض والبناء شيئاً فشيئاً، كانت هناك مشاعات ولم نضع أيدينا عليها كما يفعل البعض، استملكنا بأوراق قانونية، وتوسعنا بعدما انضمّ إلينا المهجرون في عدوان عام 1977 وصرنا اليوم نحو 140 بيتاً». وفي مرحلة لاحقة «ساعدنا الرئيس نبيه بري على بناء مدرسة على نفقة مجلس الجنوب تضم اليوم 130 تلميذاً من أبناء العشيرة، للمرحلة الابتدائية. وقد أحبّ الرئيس بري جيرتنا، إذ بنى دارته عند تخومنا الجنوبية الغربية؛ واطمأن إلينا قائلاً لحراسه: لا أريد حراسة من ناحية العرب والجيران منهم أوفياء للجيرة».
ترك أبناء العشيرة في المصيلح تربية الماشية، إذ إن المنطقة غير مؤهلة لذلك، ولجأ معظمهم إلى بعض المهن الحرة، وآخرون إلى العمل مياومة. ومن أتمّ منهم الدراسة الجامعية، لا يزال يبحث عن وظيفة أو عمل. وبخلاف المدرسة تبدو حالة الفقر على الطرقات غير المؤهلة وتغيب عنها الإنارة؛ وتقوم بلدية المروانية بجمع النفايات فقط، في مقابل قيام أصحاب البيوت بدفع «المسقفات». وبسبب ضيق المساحة توسع حيّ «العرب» نحو بلدة الحجّة المسيحية بعدما اشترى أبناء العشيرة أراضي وبنوا عليها وحدات وبيوتاً. يحنّ أصحاب البيوت في المصيلح إلى ضيعة الوزاني، ويقول عمر المصطفى باسمهم «نطالب مجلس الجنوب وشخص الرئيس نبيه بري بإعادة بناء وحدات سكنية في الوزاني والقرى المجاورة، على غرار ما جرى في الكثير من البلدات والقرى الجنوبية، للآباء والأبناء. بعد 8 سنوات من التحرير لم يُصَر إلى إصدار قرار فعلي ببناء قرn الوزاني وعين عرب والعباسية حتى يتسنّى لأهلها العودة إليها؛ هُجّرنا ولم يساعدنا أحد، وحلّ التحرير ولم نجد مساعدة فعلية على إعادتنا إلى قرانا حتى نلمّ شمل العشيرة بدل هذا الشتات المتفرّق، لماذا لا نزال منسيين إلى هذا الحد؟».

أهل العباسية في النجارية

في بلدة النجارية المقابلة للمصيلح، يضع شهاب قاسم شهاب (78 عاماً) يديه خلف ظهره ويمشي نحو بيت جاره القريب. البلدة متواضعة، ينتشر عند تخومها الشمالية الغربية أكثر من 40 بيتاً من مهجّري بلدة العباسية الحدودية الذين يعودون في الأصل إلى بلدة عين عرب القريبة.
يعود الحاج شهاب مسرعاً نحو بيته لاستقبال الضيوف الإعلاميين ليدلي برأيه: «الوضع لم يزل على حاله في العباسية والمشكلة الأكبر هي الألغام. كيف نعود بأطفالنا وأحفادنا إلى الخطر والموت؟ كان بيتي من ثماني غرف قبل تدميره؛ وُلِد لي فيه أربعة أولاد، وستة هنا في النجارية».
ابنه محمد يعمل سائق سيارة أجرة بعدما ترك الجامعة حيث كان يدرس الحقوق. يروي كيف حضر أبناء العباسية إلى النجارية: «هجّر أبناء العباسية منذ عام 1967، سكن بعضهم في محلة الشريفة قرب حبوش وبعضهم الآخر أتى إلى هنا في النجّارية. في عام 1977 بعد التهجير من عين عرب والوزاني سكنت بعض العائلات في مشاع النجارية. في عام 1982 قامت «القوات اللبنانية» بجرف البيوت وطرد سكانها منها، فلجأوا إلى المصيلح. نحن هنا في النجارية في «حي أهالي العباسية»، لا نشعر بأيّ خلل أو تفرقة في العلاقة، البلدة أصلاً مزيج من تنوّع مذهبي وطائفي ومن القوى والأحزاب، لا يعرفه إلا من يدخل في التفاصيل، وما يجرِ على أبناء البلدة يجرِ علينا، وعلاقتنا مع الجميع والجوار أكثر من ممتازة». ويلفت إلى أن «أهالي الحي تركوا تربية الماشية تماماً ويقومون بأعمال حرّة بين عمال مياومين وسائقي أجرة وثلاثة موظفين في قوى الأمن الداخلي، فضلاً عن مهندس و4 جامعيين وعشرات الثانويين، إنما أكثرنا من دون وظائف تليق بالمراحل التعليمية التي وصلنا إليها». ويؤكد شهاب أن نحو 40 شهيداً من عشيرة الكريدين سقطوا في «حربنا مع إسرائيل، في سبيل الله والوطن؛ فضلاً عن نحو 50 أسيراً تعاقبوا على معتقل أنصار ثم معتقل الخيام ومنهم عميد أسرى العشيرة عمر الأحمد الذي بقي 12 عاماً في المعتقل؛ وهنا لا بد من تحية للمقاومة الإسلامية وعلى رأسها السيد حسن نصر الله الذي يذكر باستمرار بالأراضي اللبنانية التي يحتلّها العدو».

بعيدون عن السياسة

يدفع سكان تجمّع العشيرة في «الشريفة» المتوجّب عليهم إلى بلدية حبوش التي تقوم بجمع النفايات وإنارة الطرقات التي ذاقت بعض «الزفت» في الانتخابات الأولى عام 1992. بدأ تجمّع بيوت الشريفة بعد تهجير عام 1977، بثمانية من عائلة واحدة. وبعد التحاق الأقارب صارت نحو 90 بيتاً مبنياً، وعشرات بيوت التنك والخيم للمواشي، إذ إن معظم السكان هناك يعيشون من تربية الماشية. وقد قام أصحاب هذه البيوت بشراء الأرض تباعاً. ويشعر سكان حي «العشيرة» ببعض الغبن «ربما لأننا لا ننتمي إلى أيّ حزب أو تنظيم» بحسب مختار عين عرب ومرجعية الأهالي عزوّ الأحمد «أبو أدهم»؛ الذي يشير إلى أن «أبناء الحي لم يروا من يسأل عنهم بعد عدوان تموز 2006 وماذا حلّ من خسائر بمواشيهم التي تمثّل معيشة ما بين 60 و70 في المئة من السكان هنا».
السياسة آخر همّ أبناء العشيرة أينما حلّوا. وهم لم يُدلوا بأصواتهم إلا لكتلة التنمية والتحرير «نحن مع جارنا القريب لا أخينا البعيد» يقول عزو الأحمد ويردف: «لكننا مع أعمالنا فقط والسياسة آخر همنا، حتى على أيام المنظمات الفلسطينية، لم ننتظم في أحزاب وتنظيمات؛ لذلك لم تحصل معنا أي مشاكل تذكر، لا داخلياً ولا مع جيراننا، وقضايا العشيرة يحلها كبارها الذين لهم المَوْنة على الجميع. أفراحنا تجمعنا وتوحدنا وكذلك أتراحنا، وإذا عانى مريض ضيقاً نجتمع حوله ونجمع له من أموالنا ما تيسر على سدّ حاجته».
ويشكو «المختار» من أن الأفضلية في المدارس القريبة «ليست لأبناء التجمعات التي لا مدارس فيها على نحو تجمع المصيلح، وتترك لنا فقط الأماكن الشاغرة حتى نسجل أولادنا فيها، مع العلم أن نحو 100 تلميذ يخرجون سنوياً من الحيّ إلى المدارس القريبة».
بيوت تجمّع دير الزهراني بين 20 و25 بيتاً وتقوم بلدية دير الزهراني بجمع النفايات فقط. أما تجمّع كفروة فمن 55 بيتاً أصحابها من بلدة عين عرب، ومعها بيتان من الوزاني. وجميع من بنى فعلى أرض مملوكة؛ ولأن كفروة لا بلدية فيها، تقوم بلدية زفتا بجمع النفايات مقابل خمسة آلاف ليرة يدفعها كل بيت شهرياً؛ لكن الطرقات في التجمع أكثر من سيئة وتنتشر فيها الحفر والمستنقعات. يشير طلال الأحمد إلى أن سكان الحي يعيشون من تربية الماشية «على نحو حبوش ودير الزهراني؛ لكن الأزمة الكبرى من شح المياه صيفاً إذ لا تصل المياه أكثر من 12 ساعة في الأسبوع، وهي لا تكفي لمن يقوم بتربية الماشية، لذلك نشتري نقلة المياه بعشرين ألف ليرة».
تبدّلت أحوال عرب العشيرة و«الحدود» كثيراً عما كانت عليه قبل عام 1967. كثرٌ منهم تركوا مهنة الآباء الأساسية في تربية الماشية؛ والجميع يدفع بأبنائه نحو التعليم، وصار للبنت رأيها في اختيار دراستها وشريك حياتها «من العشيرة أو خارج العشيرة» لكنها تترك المدرسة لحظة اقترانها. أما الولادات، فهي لم تتدنّ بعد عن ثماني ولادات في العائلة وقد تتجاوز العشر. أمّا مسألة الانخراط في وظائف حكومية أو مهن متطوّرة، فهي حلم الجميع، وخصوصاً المتعلمين منهم، تماماً مثل حلم العشيرة التي تمثّل كتلة انتخابية غير قليلة، برعاية الدولة وحضنها المفقود، برغم كل ما مرّ عليها من ويلات وحروب وتهجير.



خريطة الإنتشار

تنتشر عشيرة الكريدين في كثير من المناطق اللبنانية، منها البرغلية قرب صور، والوزاني، عين عرب، النجارية، الزهراني، مصيلح، والكفور غربي النبطية (في جنوب لبنان) وكذلك في خلدة وفي شمال لبنان؛ وقسم يسكن في بيروت.
وتعدّ عشيرة الكريدين من أكبر العشائر في لبنان، وتجمّعها الأكبر في بلدة البرغلية. وتعود أصول مساكن عشيرة الكريدين قبل عام 1880-1885 تقريباً إلى قريتَي الرمثانية والرزنية، وهما قريتان من قرى الجولان السوري.
الوزاني: وهي من القرى التابعة لقضاء مرجعيون، فيها مجلس بلدي ومختار، ويبلغ عدد سكانها الأصليين 3.000 نسمة؛ والمقيمون حوالى ألف نسمة، ويعتمدون بشكل أساسي على تربية الماشية والزراعة.
عين عرب: وهي تابعة أيضاً لقضاء مرجعيون ولبلدية الخيام، فيها مختار واحد. يبلغ عدد المقيمين فيها حوالى 400 نسمة، يعمل معظمهم في الزراعة وتربية الماشية.
قرب بلدة النجارية: انتقل بعض أهالي بلدة عين عرب والعباسية إلى جوارها، وأقاموا لهم تجمعاً يسكنه نحو 300 نسمة (60 عائلة).
قرب بلدة مصيلح: أقام أهالي بلدة الوزاني تجمعاً لهم يضمّ حوالى 700 نسمة (120 عائلة). بين بلدة زفتا وبفروة (كفروة): أقام أهالي منطقة عين عرب تجمّعاً لهم يضمّ 250 نسمة (60 عائلة).
قرب بلدة دير الزهراني: أقام أهالي بلدة سردة والعمرة تجمعاً لهم يضمّ 35 عائلة. قرب بلدة حبّوش: أقام أهالي بلدة العباسية وعين عرب تجمعاً لهم يضمّ نحو 500 نسمة (105 عائلات).
بلدة الكفور: وهي مزيج من السنّة والشيعة يسكنها نحو 150 نسمة (30 عائلة سنية).
البرغلية: قرية لبنانية كبيرة يسكن فيها الآن نحو أربعة آلاف نسمة.