أنطوان سعد
أما وقد تخطت فترة الفراغ الرئاسي الثلاثة أشهر من دون أن تلوح في الأفق ملامح الحل الجدي للأزمة السياسية الحادة التي يجتازها لبنان، فإن أوساطاً مسيحية محايدة تتداول بعيداً عن الأضواء في الوضع الحكومي خلال الوقت الضائع الذي يبدو أنه سيكون طويلاً جداً إذا فشلت اجتماعات مجلس التعاون الخليجي ووزراء الخارجية العرب في نهاية الأسبوع المقبل في التوصل إلى تسوية ترضي الطرفين: الموالي والمعارض، أو بالأحرى من يقف وراء كل منهما.
إذ من جملة الاستنتاجات والانطباعات التي كوّنها المراقبون المحايدون بعد الاطلاع على مداولات الاجتماع الرباعي الأخير في مجلس النواب، أن الاتفاق كان ممنوعاً على اللبنانيين، حتى إن أقدم أحد الطرفين على التنازل، بدليل الموقف من مسألة الحاجة إلى تعديل الدستور من أجل انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان.
لذلك بعيداً عن التجاذبات السياسية الحادة بين التيارات والأحزاب المسيحية الموزعة بين المعارضة والموالاة، ترى الأوساط المحايدة المشار إليها أن على الوزراء المسحيين الذين باتوا أكثرية حالياً تحقيق المطالب المسيحية المزمنة التالية كي ينزعوا عن أنفسهم صفة التفريط بمصالح المسيحيين التي تلاحقهم منذ تأليف الحكومة. ومعلوم أن وزيرين فقط بإمكانهما أن يلزما مجلس الوزراء بتحقيقها عبر التلويح لا بالاستقالة بل بالتغيب عن اجتماعات مجلس الوزراء إلى حين إقرارها:
ـــــ تنفيذ حكم مجلس شورى الدولة القاضي بإبطال حصول نحو خمسة آلاف شخص على الجنسية اللبنانية لأسباب متعددة. هذا القرار مجمّد في وزارة الداخلية منذ أكثر من أربع سنوات، لأن الرئيسين رفيق الحريري وعمر كرامي رفضا التوقيع لإنجازه. وثمة مطلب آخر في هذا الإطار، قبل تحقيق المطلب الكبير بإلغاء مرسوم التجنيس الصادر سنة 1994 برمته، لأنه ينطوي على تجنيس نحو خمسة وعشرين ألف فلسطيني، أي يخالف الدستور لجهة التوطين، وهذا المطلب هو بنقل قيود نحو خمسة عشر ألف مجنس سني من قضاء زحلة إلى منطقة ذات غالبية سنية، لأن هذا العدد الكبير سوف يؤثر سلباً على العيش المشترك في تلك المنطقة وعلى نتائج الانتخابات النيابية. وثمة سابقة في هذا الإطار، عندما نُقِلَت قيود المجنسين من بلدة القبيات إلى قرى مستحدثة في منطقة وادي خالد.
ـــــ استرجاع مشروعي قانون عهد الطفل في الإسلام والبطاقة الاغترابية وإلغاء الأول وإضافة بند في الثاني يتيح للمنحدر من أصل لبناني فرصة استعادة الجنسية اللبنانية إذا حصل على البطاقة واستوفى شروطاً معينة.
ـــــ تحقيق العدالة والتوازن في التعيينات الإدارية على المستويين الطائفي والسياسي. فجميع المعنيين في قطاع الاتصالات، ولا سيما الوزراء المسيحيون يعرفون أن اتجاه تيار المستقبل هو لتعيين رئيس لمجلس إدارة ليبان تليكوم التي سوف تضم آلاف الموظفين من الطائفة السنية، رغم أن جهات مسيحية مشاركة في الحكومة تحاول دون جدوى حتى الآن إسناد هذا الموقع لمسيحي. كما أن التخطيط لإيصال أحد مناصري تيار المستقبل، وإن كان مسيحياً، إلى رئاسة مجلس إدارة الضمان يوحي أن نهج استبعاد القوى السياسية المسيحية عن الإدارة لا يزال قائماً.
ـــــ اعتماد قانون انتخاب عادل يؤمّن صحة التمثيل لجميع الطوائف اللبنانية. وفي هذا الإطار، إن قانون القضاء لم يعد منصفاً للمسيحيين بنتيجة تداعيات الحرب التي دارت رحاها على أرض لبنان بين عامي 1975 و1990 والتي نتج منها تهجير وفرز سكاني وهجرة المهاجرين وعدم تسجيل ولاداتهم، وقد تفاقمت هذه التداعيات خلال سنوات الهيمنة السورية من جراء ممارسات القوى السياسية اللبنانية المتحالفة مع دمشق. لذلك تدعو هذه الأوساط الوزراء المسيحيين في الحكومة إلى أن يحاولوا إقناع الحكومة بإقرار قانون انتخاب عادل والمطالبة به في الاجتماعات الرباعية بحضور عمرو موسى، ومن ثم إحالته أيضاً على مجلس النواب. ويمكن اعتماد أحد الطروحات التالية: القضاء بصوت واحد لكل ناخب الذي تميل إليه البطريركية المارونية في شكل خاص، مشروع الوزير السابق ناجي البستاني، أي تعديل حدود القضاء بحيث لا يتعدى عدد المقاعد فيه الأربعة أو الخمسة، التصور الذي وضعته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب التي ترأسها الوزير السابق فؤاد بطرس مع بعض التعديلات، وتقسيم كل محافظة إلى ثلاث دوائر مع اعتماد تظام الاقتراع النسبي.
وتتساءل الأوساط المسيحية: «لم لا تكون العودة إلى النظام الانتخابي في ظل المتصرفية التي شهدت أطول فترة استقرار في تاريخ لبنان الحديث حين كانت كل طائفة تنتخب نوابها؟».