strong> ثائر غندور
•الصراع مع سوريا ومستقبل آل الحريري يحكمان علاقة المملكة بسياسيي لبنان
حذّرت السعوديّة رعاياها من السفر إلى لبنان، وفي الوقت ذاته دعمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بمبلغ مليار دولار. في الأمر مفارقة. السفير السعودي يزور قصر قريطم كأنه منزله الأساسي في لبنان، وفي الوقت عينه يرفض أو يماطل في لقاء العديد من الشخصيّات السنيّة في المعارضة

في السلوك السياسي للسعودية مفارقات. تدعو سوريا إلى ممارسة ضغط على حلفائها للقبول بتسوية لبنانيّة، وهي تضغط على حلفائها حين يكادون يقبلون بالتسوية من أجل رفضها. يتعرّض لبنان لحرب إسرائيليّة شرسة لأكثر من ثلاثين يوماً، ولا تفكّر السعودية بالتهديد بتحريك أو باللعب بأسعار النفط، فقط التهديد، لكنّها تشتري قنابل ذكيّة وتجهيزات عسكريّة بمليارات الدولارات من الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا في ستة أشهر يقول الكثيرون إنّها لمواجهة الخطر الإيراني. ثم يستقبلون الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ويهدون جورج بوش سيفاً وهم متّهمون بصلةٍ ما بأحداث 11 أيلول.
تطول لائحة المفارقات، فالسعوديّة تسمع لطرف دون الآخر في لبنان. علاقة الأطراف السنيّة في المعارضة مع المملكة غريبة، بل هي مفارقة إضافية. «علاقتنا مقطوعة لأننا طلبنا عدّة مواعيد ولم يردّ طلبنا إيجاباً فلم نعد نطلب، لأننا لسنا من النوع الذي يجلس أمام باب القصر لنستجدي لقاءً»، يقول أحد السياسيين المعارضين. لكن في الوقت ذاته لا تجرؤ الأطراف السنيّة في المعارضة على مهاجمة السعوديّة، لأن جمهورها مرتبط «روحياً بقبلة المسلمين». ويستذكر أحدهم، كيف أن هذا الجمهور الذي كان ناصرياً بامتياز في عهد جمال عبد النّاصر، وداعماً لتدخّله في اليمن، وهو الأمر الذي رفضته السعوديّة، لكن الجمهور بقي على علاقة ممتازة مع السعوديين، وارتبط معهم دينياً ومالياً. واليوم تحوّلت السعوديّة إلى لاعب قوي وأساسي في لبنان، لكن السوريين لا يُمكن أن يسمحوا لأحد بأن يضعهم خارج لبنان.
ويقول الشيخ هاشم منقارة إن الداعية الإسلامي فتحي يكن حاول مرّات عديدة التواصل مع السعوديين، ولم ينجح، «فالقضيّة سياسية». ويصرّ منقارة على أن تكون العلاقة السياسيّة مع السعوديّة ممتازة، لكنّه يقول إن هناك «خلافاً سياسياً وشرعياً مع هذا النظام». فبرأيه أن النظام السعودي يمارس سياسة «مع أعداء الله ورسوله وضدّ المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، والعلاقة معهم مبنيّة على هذه الأسس».
ويؤكّد أن جبهة العمل الإسلامي لا تقوم بصلات وعلاقات سياسيّة على أساس مصالح ضيّقة، بل على أساس سياسي وطني، وهناك «علماء بالداخل السعودي يعترضون على الواقع الشرعي، ونحن لا يُمكن أن نتغاضى عن ترك شعب مطرود من أرضه، وهم يعرفون مبدأ المرابطة في بلاد الشام ويؤسسون لمنطق نزع سلاح المقاومة».
وعلى صعيد علاقتهم بالرئيس سليم الحص، يقول أحد المقرّبين منه إنهم «يزورونه حسب الموجة». ويضيف هذا المقرّب أن النظام الرسمي السعودي حصر علاقته بلبنان منذ زمن بآل الحريري، فدعمُ مؤسسات المقاصد ودار الفتوى والعديد من الأطراف تمّ حصره أو تلزيمه لهذه العائلة. ويختصر الموضوع بالقول: «السعوديّة لا تعرف ماذا تريد وتملك من الأموال أكثر من قدرتها على الاستيعاب». ويبرر عدم نقد الأطراف السنيّة المعارضة للمملكة بـ«وهل نقوى عليها، فهناك نحو 400 ألف شاب لبناني يعملون هناك، فهل نقطع بأرزاقهم؟».
ويرى أن دولة بهذه القوّة لا تُواجَه من مجموعة سياسيين في دولة ضعيفة تحتاج إلى مساعدات سعوديّة ماليّة دوريّة، والذي يستطيع المواجهة هو دولة إقليميّة، أي سوريا.
ويؤكّد سياسي بيروتي هذا المضمون عبر ذكره لحادثة حصلت منذ أكثر من سنة ونصف. في تلك الفترة بدأ السعوديون فتح علاقاتهم على عدد من القوى غير آل الحريري لفترة، وبعد أشهر توقّفت هذه المحاولة لأن النائب سعد الحريري، الذي تربطه علاقات صداقة وأعمال بالعديد من أفراد العائلة الحاكمة المؤثّرين جداً، طلب منهم وقف هذه المحاولات، قائلاً لهم:«أنا في مرحلة صراع وحسم، وتريدون شقّ الطائفة؟».
لكن عدداً كبيراً من الشخصيات السنيّة المعارضة والحياديّة، يشير إلى أن الأزمة الحقيقيّة تقع على المحور السعودي ـــــ السوري. وتتهم الرياض المعارضين اللبنانيين بالتحالف مع سوريا ضدّها.
«لا يستطيع ملك السعوديّة عبد الله، أن ينسى تشبيه الرئيس السوري بشّار الأسد له بأنصاف الرجال بعدما رأى الأول أن عمليّة أسر الجنديين الإسرائيليين في تمّوز 2006 مغامرة غير محسوبة»، يقول أحد السياسيين اللبنانيين على علاقة جيّدة بالنظام السعودي. ويضيف أن العقل السعودي هو عقل عربي وشرقي بامتياز، يجد في مفهوم الشهامة والكرامة وعزّة النفس أساساً في التعاطي السياسي. ويشير إلى محاولات جرت في قمّة الرياض في آذار 2006 لتهدئة الأوضاع بين الطرفين، لكن ذلك لم ينفع.
وتقول أوساط متابعة للعلاقة بين الطرفين، إن شعور الإهانة عند الملك عبد الله يزداد عندما يستعيد المحطّات التي حمى فيها النظام السوري. فهو، منذ أن كان ولياً للعهد، كان المدافع الأساسي عن الراحل حافظ الأسد، إذ ساعده في الحفاظ على علاقة جيّدة عندما اختلفت الدولتان خلال الحرب العراقيّة ـــــ الإيرانيّة. السعوديّة دعمت العراق، وسوريا إيران. كما يعدُّ نفسه الأخ الأكبر لبشّار الأسد، إذ يُنقل عن الملك عبد الله أنه منع رفعت الأسد من العودة إلى سوريا بعد رحيل أخيه حافظ.
ومنذ اغتيال رفيق الحريري، ترى السعوديّة أن سوريا لا تساعدها بالحفاظ على مصالحها في لبنان، لا بل تضيّق عليه. فهي تحمي حزب الله، الذي تراه السعوديّة امتداداً إيرانياً، وتساعد حركة حماس التي تضعها في خانة «حركة شيعيّة سياسياً». فالسعوديّة تنظر برعب إلى الامتداد الإيراني. ويتحدّث هؤلاء عن موجات تشيّع في سوريا، عبر دفع الأموال إلى فقراء المناطق السوريّة النائية. ويقول أحد المتابعين إنه وإن كانت هذه الحركة لا تزال في حدود الآلاف، إلّا أنه متخوّف من تزايد عدد هؤلاء. لكن السياسي المقرّب من السعوديّة يصوغ المشكلة بوضوح أكثر: أزمة السعوديّة مع «الشيعيّة السياسيّة»، أي مع الأحزاب والتنظيمات المتحالفة مع إيران.



خوف سوريا

يشعر السوريون بخوف. يصلّي رفعت الأسد في مكّة. ويجلس قرب القيادة السعوديّة. تحدث لقاءات مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، والمحكوم بالإعدام في سوريا، «هم يرون أنفسهم حماة السنّة في العالمين العربي والإسلامي، ويشعرون بأن هؤلاء في خطر» تقول شخصيّة بيروتيّة. وتقول شخصيّة فاعلة في المجتمع المدني على صلات دوليّة، إن الصراع السعودي ـــــ السوري، ليس هو الصراع الأساسي، بل إن الخلاف الأميركي ـــــ الإيراني هو الأساس، وحلّه ينتظر الانتخابات الأميركيّة بغضّ النظر عن شخصيّة الفائز في الانتخابات الرئاسيّة. وترصد هذه الشخصيّة اللقاءات الإيرانيّة ـــــ الأميركيّة التي تحصل في دول أوروبيّة.



بدء المرابطة

هو الإرصاد لحفظ الحدود والثغور في بلاد المسلمين من هجوم الكافرين. والمراد بالإرصاد تهيئة النفس والأموال اللازمة لذلك، والثغر هو الحد المشترك بين دار الكفر ودار الإسلام أو كل موضع يخاف منه، يخصص فيه جزء من الجنود للوقوف على الحدود حتى لا تغزى ديار الإسلام على حين غرة، والمرابطة تتضمن معاني ثلاثة:
1. الحراسة الشديدة بحيث لا تكون ثغرة ينفذ منها العدو، لأنه ما «غُزي قومٌ في عقر دارهم إلا ذلّوا» كما قال الإمام علي بن أبي طالب. 2. المرابطة تؤدي إلى إرهاب العدو وجعله في خوف ووجل مستمرين، إذ يعلم أن وراء المرابطة جيشاً يحمي الديار. 3. أن يكون هناك استعداد مستمر للقتال والتدريب فلا يؤتى المؤمنون على حين غرة.