طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
تشهد جدران وشوارع مدينة طرابلس هذه الأيّام تحوّلها إلى مساحة واسعة ورحبة للتعبير عن الآراء والمواقف المختلفة مع بعضها إلى حدّ التعارض، وخصوصاً في المجال السّياسي، حيث لا تكاد تمرّ مناسبة من غير أن تمتلئ الشّوارع والجدران باللافتات والملصقات والصور المختلفة الأشكال والأحجام... والتعابير.
وإذا كان موسم الانتخابات النيابية أو البلدية، أو أيّ انتخابات أخرى مثل انتخابات الإفتاء التي جرت أخيراً، فترات تزدهر فيها أعمال الخطّاطين والمطابع على نحو واسع، حيث يتراوح سعر اللافتة بين 30 و50 دولاراً والصورة حسب حجمها، فإنّه لا تكاد تمرّ مناسبة إلا يرافقها انتشار عشرات اللافتات والملصقات والصور، باعتبارها الوسيلة الأنجع والأسرع انتشاراً والأقل كلفة بنظر أصحابها، للتعبير عن موقف أو رأي ما يرونه مناسباً أو محقاً.
ومع أنّ الشعارات السّياسية هي الأكثر انتشاراً في كلّ مناسبة، وتؤمّن لها موازنات ومخصّصات مالية هامّة، فإنّ الشعارات الوطنية (عيدي الاستقلال والجيش) والدينية (المولد النبوي، السنة الهجرية، قدوم رمضان، عودة الحجاج)، تليها مباشرة من حيث نسبة الانتشار، حتى باتت تشكّل مشهداً طرابلسياً مألوفاً، ولو كان يتمّ بصورة غير قانونية، لأنّ اللافتات والملصقات تحتاج إلى ترخيص مسبق من البلدية لرفعها، والصور يمنع إلصاقها على الجدران في غير الأماكن المخصصة لها منعاً لتشويه المنظر العام، لكنّ كلّ ذلك يتمّ التغاضي عنه منذ سنوات عديدة.
إلا أنّ اللافتات، السّياسية منها تحديداً، لا تنتشر في كلّ شوارع المدينة وأحيائها الداخلية، فهناك شوارع محسوبة على طرف خصم، ومن شأن رفع الفريق الآخر لافتة له في مكان يعتبره منافسه حصناً خاصاً به أن يثير مشكلات، تستدعي في كلّ مرّة تدخّل القوى الأمنية لفضها، ما أدى في نهاية المطاف إلى رسم حدود لكلّ فريق، يكتفي ضمنها برفع ما يشاء من اللافتات والصور.
في مقابل ذلك، فإنّ شوارع وساحات رئيسية في طرابلس (ساحة التلّ ومستديرة ساحة التمثال)، تحوّلت إلى «ملتقى» لكلّ الطامحين في أن ترفع له لافتة أو صورة فيها، حتى باتت صورة مصغّرة عما يدور في عاصمة الشمال في هذا الخصوص، مترافقة مع مفارقة لافتة تتمثل في أنّ الذين رفعوا اللافتات بالأمس هم أنفسهم من يرفعها اليوم، مع فارق التغيير الذي طرأ على العبارات ومضامين اللافتات، وتحوّلها من مقلب إلى آخر!
في حين تدلّ اللافتات على موقف أو توجه سياسي أو ديني ما لأصحابها، فإنّ الملصقات التي تخبر عن وفاة أحد الأشخاص، باتت بمثابة معلومة بمتناول أغلب المواطنين، وتحوّلت إلى «جريدة حائط» مجانية تحفل بعشرات «النعوات»، بعدما أصبح نادراً أن يتوفى أحدهم من غير أن تلصق له «ورقة نعوة».
وكما حصل منذ نحو سنتين، عادت إلى جدران المدينة ملصقات تدين إعادة نشر صحف دانماركية رسوماً مسيئة إلى النبي، داعية إلى اتخاذ الموقف المناسب من هذا الأمر، وإلى مقاطعة البضائع الدانماركية مجدّداً.
إلى ذلك، لفت أنظار الطرابلسيين نهاية الأسبوع الماضي انتشار ملصقات على جدران الشوارع الرئيسية والفرعية فيها، حملت عبارة واحدة تضمّنت سؤالاً: «هل تريد أن تنام وأنت مرتاح؟»، من غير أن تعرف الجهة التي ألصقته، لخلوّه من أيّ توقيع عليه، وما جعله مثار تساؤل وسخرية من أغلبية المواطنين.
إلا أنّ ذلك الملصق تلاه جزء ثان، إذ تبيّن أنّ أحد المواطنين الذي قام بهذه الخطوة، قد ضمّن الجزء الثاني من الملصق عبارة «كُن مع الرئيس نجيب ميقاتي بتنام مرتاح». ما دفع أنصار رئيس الحكومة السابق إلى المسارعة لإزالة الملصق بسرعة، بعدما أثار أصداءً عكست عدم الارتياح له، وردود فعل غير إيجابية.