رامي زريق
عندما نشرت الباحثة في شؤون الغذاء سوزان جورج كتابها الشهير كيف يموت النصف الآخر من العالم (أي الفقراء في بلدان العالم الثالث) عام 1976، لم تدرج أمراض البدانة والسمنة في لائحة الأسباب بل ركزت اهتمامها على الجوع والأمراض المعدية التي كانت تعدّ آنذاك من أمراض الفقر. ولم يعد عالم اليوم يشبه عالم سبعينيات القرن الماضي، إذ أصبح فقير اليوم يعاني مشاكل صحية وغذائية كانت تقتصر آنذاك على الأغنياء. تأتي الأمراض المرتبطة بالبدانة والوزن الزائد كأمراض القلب والشرايين والسكري على رأس قائمة هذه المشاكل. تعود أسباب هذه التغيرات الى التبدلات الذي حصلت في المنظومات الغذائية العالمية التي غدت تحت سيطرة شركات عملاقة متعددة الجنسيات، والتي دفعت العالم، بفقرائه وأغنيائه، نحو عولمة الغذاء. تزامنت هذه السيطرة مع تغيرات في أنماط التغذية في العالم كله، فنحن اليوم نواجه مرحلة انتقالية في النمط الغذائي وخاصة في بلدان حوض المتوسط كلبنان مثلاً، حيث يتقلص استهلاك الأغذية الغنية بالنشويات والحبوب وترتفع نسبة اللحوم والأغذية المصنعة والغنية بالسكر في الوجبة اليومية. وقد أطلق اسم «الكوكا - كولونيالية» على ظاهرة انتشار المشروبات الغازية في البلدان الفقيرة إذ حلّت هذه المشروبات التي تحتوي على كميات هائلة من السكر، ضيفاً دائماً على مائدة الفقراء.
إن الأمراض التي تسبّبها التغذية المعولمة والتي كان يطلق عليها اسم «أمراض الأغنياء» والتي أصبحت اليوم من أمراض الفقراء، تحتاج الى عناية صحية طويلة الأمد وباهظة الكلفة. هذه كارثة في وطن تتردّى فيه يوماً بعد يوم الخدمات الأساسية العامة، وتبقى فيه مؤسسة الضمان الاجتماعي رهينة التجاذبات الطائفية.