يترافق التغيّر في أساليب الحياة التي تعيد تشكيل العالم اليوم مع تبدلات أخرى على مستوى أسلوب غذائنا الذي يعيد تشكيل أجسادنا. تحدد عوامل الوزن المفرط والبدانة حالة الشخص الصحية. في هذا الإطار، أظهرت الدراسات الحديثة أن نسبة عالية من اللبنانيين تعاني السمنة. هذا ما أكدته دراسة أجرتها مجموعة من خبراء التغذية في الجامعة الأميركية في بيروت (سباعي وآخرون، 2003) ونشرت عام 2003. فقد أظهرت هذه الدراسة أن معظم البالغين من اللبنانيين يعانون الوزن الزائد (53%) بينما يعاني 17% منهم البدانة. ويعود ذلك ربما لارتفاع نسبة استهلاكهم للــ «الدهون والحليب والبروتينات الحيوانية، وانخفاض نسبة استهلاكهم للكاربوهيدرات المركبة، وخصوصاً الخبز والحبوب.» لم تبحث الدراسة عامل الدخل الذي له تأثير كبير على نوعية الغذاء التي نتناولها، إلا أنها أظهرت، في مجال الإحصائيات عن انتشار البدانة، أنها تبلغ حوالى 12% في العاصمة بيروت بينما تصل إلى 26% في الجنوب، أي في المنطقة المهمشة من لبنان. إن قضية البدانة والوزن المفرط لدى شريحة الشباب هي قضية مهمة، إذ إن الفتيان البدينين يصبحون بالغين بدينين يعانون نتيجة بدانتهم مشاكل صحية تصاحبهم طوال حياتهم. وقد أظهرت الدراسة ذاتها انتشار البدانة والوزن المفرط في الشريحة العمرية الممتدة من ثلاثة أعوام إلى تسعة عشر عاماً، ورصدت ارتفاع نسبة الوزن الزائد لدى الفتيان أكثر من الفتيات (22.5% في مقابل 16.1%)، كذلك ارتفاع نسب البدانة لدى الفتيان عن معدلاتها لدى الفتيات (7.5% في مقابل 3.2%).
وفي دراسة أخرى عام 2006، رصد الباحثان شكر وسلامة ظاهرة انتشار البدانة والوزن الزائد بين 12299 طالباً من عدة مدارس خاصة في لبنان فاستخلصا النتائج ذاتها التي توصّل إليها بحث «سباعي وآخرون»
علاوة على ذلك، اتّضح أن الأطفال المنتمين إلى الشريحة الاجتماعية والاقتصادية العليا يخضعون لعادات غذائية سيئة لأنهم يرتادون أكثر فأكثر مطاعم الوجبات السريعة، ويقضون أكثر فأكثر أوقاتاً طويلة أمام الكمبيوتر والتلفاز، وبالتالي يبتعدون أكثر فأكثر عن ممارسة النشاط الجسدي.
كذلك بحثت ميلزر في أطروحتها التي ناقشتها عام 2002 في الجامعة الأميركية تنوّع العادات الغذائية للأطفال المنتمين لمختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، من خلال توسيع بحثها ليشمل إضافةً إلى المدارس الخاصة، طلاب المدارس الرسمية بما أن نوع المدرسة المرتادة هو أحد مؤشرات الانتماء الطبقي للطالب.
رصدت الباحثة، في هذا المجال، اختلافات عديدة بين الطلاب: فقد وجدت أن وزن وطول الطلاب الذين يرتادون المدارس الخاصة يفوقان وزن وطول أولئك الذين يرتادون المدارس الرسمية. كما وجدت أن احتمال تعرّض الطلاب في المدارس الخاصة لزيادة الوزن تصل إلى 17.5% بينما يشكو 12.5% منهم من البدانة. في المقابل، استخلصت الباحثة عدم معاناة طلاب المدارس الخاصة سوء التغذية في المديين القصير والبعيد فيما أظهر طلاب المدارس الرسمية عوارض سوء تغذية متوسطة قد يعود سببها إلى «اضطرابات النظام الغذائي وعدم ملاءمته» التي يحكمها انتماؤهم لبيئة اجتماعية واقتصادية دنيا. إلا أنها استنتجت، من خلال مقارنة معطياتها بنتائج الأبحاث السابقة، تحسّن الحالة الغذائية لطلاب المدارس الرسمية رغم استمرارية وجود سوء التغذية. كما لاحظت النقص الحاد الذي يعانيه الطلاب في المدارس الخاصة والرسمية على حد سواء في الحديد والفولات والفيتامينات B1,B3,B6,D,K,E.
تظهر هذه الدراسات جميعها ارتفاع معدلات انتشار البدانة والوزن الزائد في لبنان، واختلاف انتشارها بين مختلف الشرائح العمرية وبحسب الجندر والانتماء الطبقي والحقل الجغرافي للدراسة (مديني أو ريفي).
ويجدر استكمالها بأبحاث إضافية على كامل الأرض اللبنانية بما أن الغذاء الملائم قد يحمي من الإصابة بعدة أمراض مزمنة كالسّكري والضغط وأمراض القلب، وبالتالي خفض عدد المصابين بها. كما يجدر تكثيف حملات التوعية لطلاب الجامعات وتلاميذ المدارس الخاصة والرسمية على حد سواء، بهدف توجيههم نحو اتّباع نظام غذائي سليم وتنبيههم إلى فوائد ممارسة التمارين الرياضية. في النهاية، يجدر باللبنانيين استهلاك المنتجات المتوسطية (زيت الزيتون والحبوب) والابتعاد عن المنتجات المرتفعة الدسم التي يتم استيرادها واستخدامها في مطاعم الوجبات السريعة.
المراجع:
1.Sibai ‚ Hwalla ‚ Adra ‚ Rahal. Prevalence and Covariates of Obesity in Lebanon: Findings Form the First Epidemiological Study. Obes Res. 2003‚11:1353–1361.
2.Chakar‚ Salameh Adolescent Obesity in Lebanese Private Schools. European Journal of Public Health‚ Vol. 16‚ No. 6‚ 648–65.
3.Melzer (2002). Nutritional Status of Lebanese School Children Aged 6-9 Years from Different Socioeconomic Backgrounds. AUB Library.