صيدا ـ خالد الغربي
كان صيداويون يتوقعون خروج مسيرات عفوية ولو «رمزية»، تنطلق بعد صلاة الجمعة أمس من بعض المساجد، أو اعتصامات بداخلها استنكاراً للدم المسفوك في غزة، أو ربما عبّر آخرون عن غضبهم من نشر الرسوم المسيئة للرسول، بعد أن يعبّئ «المشايخ» جمهور المصلين لنصرة إخوانهم في الدين في غزة ودعمهم، لأن «العاقبة للمتقين»، هذا إذا جرت تنحية موضوع «تشريف» المدمّرة الأميركية إلى شواطئنا، على اعتبار أن البعض في لبنان وفي المدينة لا يخفي بهجته من التدخل الأميركي، الذي يبقى في أدبيات هذا البعض غير متناقض مع السيادة والاستقلال، لأن أميركا تساعدنا في تعوّد نشر
الديموقراطية.
انتهت الصلاة ولم يخرج المصلون «هاتفين بحياة أطفال فلسطين وغزة (توأمة صيدا)»، رافضين الخنوع و«لم يقضّوا كعادتهم مضاجع الحكام عندما كانوا خانعين»، فكيف بهم وهم متآمرون الآن على فلسطين وشركاء في العدوان، يسأل الباحث الصيداوي خالد الكردي الذي يشير إلى أن ما قد يفسر هذا التراجع في الدور والوظيفة، وانتقال لوثة الحكام من التخلي لتصيب الشعب، قد يكون ناتجاً من ضعف الحركة القومية.
ثانياً قد يكون ناتجاً من أن جزءاً من الحركة الإسلامية بات أسير لعبة سلطوية ومتناقضاً مع شعاراته، فبتنا نسمع عن «محاذير» الشارع وانفلاته، وإذا انطبق في جزئياته على مسائل خلافية داخلية، فإنه ينتفي مع موضوع قومي وإسلامي هو رفض مجازر العدو، متوقعاً أن تكون هناك بعض التحركات واللقاءات «المعلبة» والمنفسة لتأجج المشاعر، وهي تحركات تبدو في تعليبها أسوأ فيما لو لم يحصل أي تحرك، يقول الكردي.
وللإنصاف، فإن عدداً من أئمة المساجد وخطبائها مروا على الموضوع الفلسطيني، وهم على قلّتهم تطرقوا الى هذا الأمر إما قناعة وإما رفعاً للعتب، ومن باب تسجيل الموقف، آخرون من الأئمة كانوا عن «دينهم غافلين»، وكأن البعض لم يرَ في كل هذه التطورات والعدوانية الإسرائيلية من حرب إبادة، تحديات حقيقية تواجه العرب والمسلمين، فالتحديات والمخاطر تتأتى بالنسبة إليهم من مكان آخر، فلا يرى بعض أئمة المساجد ضيراً من مواصلة حملة التحريض على المعارضة وحزب الله تحديداً، والانزعاج مما سمّوه «التعرض للمملكة السعودية التي وحدها تقف مع لبنان وتدعمه اقتصادياً» كما قال إمام أحد المساجد.
وفيما اللافتات الحمراء التي نشرها التنظيم الشعبي الناصري لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لاغتيال مؤسسه الشهيد معروف سعد، وجميعها تحمل تأكيدات على مواجهة الغطرسة الأميركية الصهيونية، فإن جمهوراً آخر راح يزفّ خبر قدوم المدمرة الأميركية التي ستحرر لبنان.
ويقول أحد بائعي الصحف في شارع رياض الصلح في المدينة «حاولوا يفهموهم (يقصد سوريا وحزب الله) بالتي هي أحسن ما فهموا بالحكي إجت المدمرة».
في المقابل، وخلافاً للصمت المطبق أو الكلام الخجول، فإن لإمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود كلاماً آخر، وبنبرة عالية رفض المشروع الأميركي ودعا قوى 14 آذار إلى مراجعة حساباتها، وإدانة التصرف الأميركي، وإلا كانت بمثابة المخلب في هذا المشروع.
إلا أن الحال لم تكن أفضل داخل المخيمات الفلسطينية التي لم تشهد بدورها أية تحركات، على الرغم من بعض الشعارات التي رُفعت، وتوزيع الصور التي نشرتها وكبّرتها بعض الصحف اللبنانية عن الفلسطيني الذي يدفن رضيعه.
قوافل الخارجين من المساجد في المخيم عبّروا عن سخطهم قائلين «لم يعد من ناصر ولا معين» كما يقول أبو أحمد ميعاري الذي أضاف «ماتت أمة الإسلام.. العوض بسلامتكم»، بينما يتدخل زميل له وقد اشتعل الشيب في رأسه «شوف يا إستاذ أنا ابن القضية الفلسطينية عن جد بقلك أصدق واحد في العالم بالنسبة إلينا هو السيد حسن نصر الله».