طيردبا ــ آمال خليل تفاحتا ــ خالد الغربي

تبدو طيردبا مثل «أم العروس» منذ استشهاد ابنها عماد مغنية، فلا تكلّ ليلاً أو نهاراً، كأنها تريد القيام بما لم يتسنّ لها القيام به في حياته، وها هو الموت قد أتاح لها وللناس وللضوء بأن يتعرّفوا عليه، حتى يكاد يطغى فرحها، بأنه وُلد ونشأ فيها، على الحزن لاستشهاده. الكل في البلدة الفخورة بأنها أنجبت الحاج رضوان، مشغول باستقبال المعزّين الذين توافدوا بالأمس للمشاركة في الحفل التأبيني الذي أقامه حزب الله، ولتقديم واجب العزاء لعائلة الشهيد. العزاء عزاء الجميع، والكل يشارك في إعداد مأدبة غداء للضيوف الذين يتوهون بين الناس الذين تحوّلوا إلى أصحاب الدار.
وإذا بحث المرء عن مكمن الفرح الذي كان ينبعث في الأرجاء بالأمس، وفي غير عيني الشهيد اللتين كانتا تحيّيان الأحبة الذين فرّقت الظروف القاهرة بينهم، لوجد الجواب في وجه ذلك المراهق الذي عليه أن يكون منذ الآن رجلاً ومقاوماً وربما قائداً. إنه جهاد عماد مغنية، الابن الأصغر للحاج رضوان الذي تثبت معاندة عينيه للدمع، عن جدارة، أحقية المثل بأن «الذي خلّف ما مات».
أمس كانت الأم الكبرى، طيردبا، تسعى لئلا يشعر الفتى، أو القائد على ما سيكون، بأنه غريب، بل بين أهله وأحبّته. تريد أن تحضنه وتلثمه وتقبّل يديه وتسدي إليه كل الحب الذي حُرم منه أبوه قسراً، لا بل تريد أيضاً بألا يفارق حضنها كما فعل أبوه من قبل، عندما خرج ولم يعد إلا شهيداً. في قاعة الحسينية، تشتّت نظر الناس في التحديق تارة في وجه جهاد الابن وطوراً في وجه جهاد العم، الذي استشهد عام 1984 في قصف على بئر العبد، عندما كان يحاول إنقاذ عائلة مصابة. الناس تنظر إلى «الجهادَين»، وجهاد ينظر إلى الجهاد الموجود في العالم أجمع. شبكات النظر المتداخلة التي أفردت بالأمس في بحر القاعة بين الناس وجهاد والشهيدين الشقيقين رسمت خريطة المقاومة من البداية إلى النهاية.
وكان حزب الله قد أقام احتفالاً ومراسم تقديم العزاء والتبريكات بالشهيد مغنية، حضره إلى عائلة الشهيد، مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، والوزير محمد فنيش، والنواب علي عمار ومحمد شري وعبد المجيد صالح وعلي خريس، وأمين سر حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين، والسفير الإيراني محمد رضا شيباني، وحشد من الشخصيات الدينية والسياسية والحزبية والشعبية. قاووق الذي تحدّث في المناسبة، رأى أن «أولى نتائج استشهاد الحاج رضوان هي أن إسرائيل اليوم تقف على رجل واحدة مذعورة خائفة، وباتت أسيرة الحماقة التي ارتكبتها، ولن يكون بعيداً على الصهاينة أن يدركوا أن دم عماد مغنية غال جداً، وسيكتب تاريخاً ونصراً جديداً». وشدد على أن «المقاومة كما أثبتت قدرتها على الانتصار في تموز، تؤكد اليوم تحقيق انتصار جديد على كل المستويات، لأنها تمتلك الكثير من عوامل القوة، وهي حاضرة في كل ساحات المواجهة، وتتطلع إلى المستقبل الذي يحقق الانتصار السياسي كما حققت الانتصار العسكري في تموز 2006، وهي لن تخضع لأحد، ولن تفرّط بحق أو تتساهل أمام أي معتد، ولا تستجدي أمنها من أحد، وتمتلك كل القدرات لتدافع عن أمنها وأمن شعبها وأمتها وحماية إنجازاتها».
من جهة ثانية، أحيا حزب الله ذكرى اغتيال أمينه العام السابق، السيد عباس الموسوي، في المكان الذي استشهد فيه قبل ستة عشر عاماً، عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية موكبه في بلدة تفاحتا أثناء عودته من مهرجان ذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب في بلدة جبشيت، أمام نصب تذكاري أشبه بالمقام، حيث احتشد أبناء البلدة وقرى الجوار، وبمشاركة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن حب الله، وقادة من حزب الله، وعلماء دين ورؤساء بلديات ومخاتير، وممثلين عن حركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. وتلا الحاضرون الفاتحة، وزيّنوا النصب بالورود والأكاليل.
النائب حب الله، وفي كلمة أمام المشاركين، أكد أن المقاومة «تمتلك من القوة ما يجعلها دائماً في الموقع الذي يشغل بال العدو وقادته». وقال: «إن إسرائيل تنهزم، وهم الآن لا يجرؤون على أن يعترفوا بالجريمة التي صنعوها في دمشق، بعدما كانوا سابقاً يفاخرون بأي عمل يقومون به، وبأن لهم الذراع الطويلة التي تستطيع أن تضرب في أي مكان في العالم، بينما اليوم إسرائيل أجبن من أن تعترف بأية عملية ضد المقاومة».