غسان سعود
لم يفاجأ العونيون بتجاهل بيان المطارنة لأسئلة العماد ميشال عون الأخيرة، فهم يقتربون يوماً بعد يوم من نموذج محازبي المردة في نظرتهم إلى مسؤولي الكنيسة. وكان عونيون كثر قد عبروا أخيراً عن سخطهم من المواقف السياسية للكنيسة عبر مقاطعة «الكنائس التي يصر الواقفون قبالة مذبحها على استغلال موقعهم لتزوير الحقائق».
ولا يتردد العونيون في تأكيد ارتياحهم إلى كلام عمادهم «الواضح ضد بعض السلطات الروحية التي تتناسى ما تطالب به منذ عام 1990». وخلافاً لما يشاع، يجمع ناشطو التيار على القول إن مفردات عون، في ما يتعلق بالكنيسة لا تخسّره شعبياً بل تجذب نحوه فئات مسيحية فقيرة تحمل البطريرك المسؤولية عن معاناتها، إضافة إلى الفئات العلمانية المسيحية التي تؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة. فيما يرى أحد المسنين الكسروانيين في السجال غير المباشر بين الرابية وبكركي استغلالاً عونياً لتعب المسيحيين من «مفتقدي المبادرة المكتفين بالندب والبكاء لاستعادة الحقوق» ومحاولة لنزع الصفة التمثيلية السياسية عن بكركي بعدما نجح عون في نزعها عن أحزاب وزعامات كان يُظنّ أنها ستظل تنطق باسم المسيحيين إلى ما لا نهاية.
ويقول أحد العاملين بين بكركي والرابية إن مواقف الفريقين الأخيرة إنما تشكّل تصفية حسابات في علاقة ولدت سيئة بحكم البطريرك على عون سلباً، قبل أن يسارع العونيون إلى التظاهر ضد سير البطريرك بتعديلات الطائف رغماً عن إرادة آلاف المسيحيين الذين كانوا يحجون إلى بعبدا يومياً. وفيما حاولت بكركي أن تظلل هؤلاء بعد نفي عون، أتت ممارسات حكّام الطائف لتزيد الهوة بين الطرفين، وخصوصاً أن في وسط مسؤولي التيار من نجح في إقناع العونيين بتحميل البطريرك، قبل غيره، مسؤولية المآسي والتهميش اللاحق بالمسيحيين بحجة «تغطيته لأهون الشرور».
لاحقاً، يتابع الوسيط الضليع بالعلاقة بين بكركي والعونيين، «ازداد غضب شباب التيار من اعتراض البطريرك على تحركاتهم المطالبة باستعادة الاستقلال، وتذكر أدراج الصرح جيداً اضطرار البطريرك للعودة إلى منبر بكركي لإدانة اعتقال الطلاب بعدما أبلغه مسؤولوهم رفضهم مغادرة ساحة الصرح قبل صدور موقف كهذا. وبقي التواصل ضعيفاً بين العماد المنفي ورأس كنيسته، ولا يمكن وصف اللقاءات الثلاثة التي جمعت الرجلين خلال سنوات نفي عون الخمس عشرة إلا بـ«لقاءات الضرورة»، بالنسبة إلى الرجلين. وبعد عودة عون، يكمل الوسيط، ظنَّ الجميع أن توافق الرجلين حول الموقف من قانون غازي كنعان الانتخابي سيؤسس لمرحلة جديدة، رغم قلق عون من رفض صفير البحث في تأجيل الانتخابات. ورغم تطويبه الكنسي «زعيماً للمسيحيين» حافظ عون، وفق الوسيط، على شعوره بأن بعض المطارنة يسهمون مع الأكثرية في محاولة تطويقه.
إلا أن بعض نواب التكتل وبعض المحيطين بالجنرال أسهموا في دفع هذه الشكوك بعيداً، وأقنعوا العماد بمهادنة رأس الكنيسة ووضع مآخذه جانباً، الأمر الذي عزز وضعية الوسطاء الذين اعتقدوا لوهلة أن الرجلين ينسّقان مواقفهما سراً، وأن عون يقول ما تتجنب بكركي قوله في كل ما يتعلق بحقوق المسيحيين. اعتقاد تثبت تجربة العام الماضي عدم صوابيته.

اجزاء ملف "صفير ـ عون: نتيجة حتمية لعلاقة ولدت صدامية ":
الجزء الأول | الجزء الثاني