149; بيان عموميات لمجلس المطارنة: التاريخ لن يرحم المعرقلين في الداخل والخارجاتجهت الأوضاع نحو مزيد من التصعيد بعد الإعلان الرسمي عن قطع «العلاقات اللبنانية» بين باريس ودمشق وتأجيل زيارة ممثل الجامعة العربية إلى بيروت، مع بروز الهاجس الأمني إثر «البروفة» التي شهدتها بعض شوارع العاصمة

أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أن بلاده «قرّرت وقف التعاون السوري ـــــ الفرنسي بصدد حل الأزمة اللبنانية». وندّد بتحميل فرنسا لسوريا والمعارضة اللبنانية فشل جهود حلّ الأزمة اللبنانية، قائلًا: «استمعنا باستغراب إلى الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي في القاهرة يحمّل سوريا والمعارضة المسؤولية عن الفشل رغم ما بذلته سوريا من جهود تعرفها فرنسا قبل غيرها، وما أبدته المعارضة من مرونة لتسهيل التوصل إلى حل توافقي».
وذكر، في مؤتمر صحافي خصّصه للوضع في لبنان، إن «مشروع الحل الشامل للأزمة في لبنان هو في الأساس مشروع تقدّمت به فرنسا ودعمته سوريا وسعت للحصول على موافقة المعارضة عليه»، مضيفاً: «يبدو أن الجهود الفرنسية مع سعد الحريري للقبول (بهذا الحل) باءت بالفشل، حيث تلقيت بعد ثلاثة أيام (من طرح الحل) رسالة خطية تؤكد عدم قدرتهم (الفرنسيين) على تسويق ما اتفقنا عليه لدى الجانب الآخر» أي الأكثرية.
وتابع: «الفرنسيون ليسوا وحدهم الذين يريدون تحميلنا المسؤولية، فالولايات المتحدة وآخرون يقولون إن سوريا لها نفوذ على المعارضة... فيما غيرنا من الأشقّاء العرب يملكون على فريق 14 شباط تأثيراً أكبر مما تملكه سوريا على أصدقائها في المعارضة».
وشدّد المعلم على ضرورة أن يكون الحلّ في لبنان قائماً على «صيغة لا غالب ولا مغلوب»، مؤكّداً أن بلاده «ستبقى جاهزة للتعاون مع الأصدقاء والأشقاء الراغبين في المساهمة والوصول إلى حلّ للأزمة بين اللبنانيين» وستكون مع «كل من يرى أن الحلّ في لبنان توافقيّ وحسب الشراكة في السلطة والعيش المشترك».
وفي المقابل، أعلن المعلم أن سوريا ستشارك في مؤتمر وزراء الخارجية العرب حول لبنان الذي سيعقد في القاهرة الأحد المقبل، آملًا أن يكون الهدف منه «مساهمة جامعة الدول العربية، مساهمة لا تدخّلًا، في تسهيل الحل بين اللبنانيين». وتمنّى أن تكون «لدى السعودية ومصر مبادرة في شأن الوضع في لبنان وأن تنجحا فيها»، مضيفاً «سأصفّق لهما» إذا نجحتا.
وردّاً على سؤال قال: «إذا كان هناك من يخطط لعرقلة الحلّ في لبنان من أجل عرقلة القمة العربية العشرين في دمشق فأعتقد أنه مخطئ وينسف العمل العربي المشترك»، مؤكّداً أن القمة «ستعقد في موعدها وفي دمشق بغضّ النظر عن التطورات الراهنة في لبنان».
بدورها، جدّدت فرنسا موقفها من سوريا، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال أندرياني «ما قلناه للسوريين هو أنّ اتصالاتنا السياسية انتهت حتى تُظهر سوريا حسن نيتها وانتخاب رئيس عبر إجماعٍ واسع في لبنان». وأضافت «إن موقفنا وتطلعاتنا معروفة. وهي ذاتها (مواقف وتطلعات) المجتمع الدولي ولا سيما الأوروبيين».

«حلّ على قياس مطالب 8 آذار»

وسارع النائب سعد الحريري إلى الردّ على المعلم، معتبراً أنه «حاول تقديم صورة مشرقة لدور قيادته» في الاتصالات مع فرنسا «مخالفة في واقع الحال، للصورة التي باتت مكشوفة لغير جهة دولية وعربية»، واتهمه بأنه يريد حلًّا «على قياس المطالب السياسية لحلفائه»، وأنه «كان يفاوض الإدارة الفرنسية باسم قوى 8 آذار».
واعترف ضمناً برفض «بعض الحلول»، عازياً ذلك إلى «أسباب بديهية وطبيعية تتعلق بعدم قدرة أي مفاوض على تسويق أفكار النظام السوري لدى سعد الحريري أو لدى أي قائد في قوى الرابع عشر من آذار». وكشف أن المقترحات التي عُرضت على الأكثرية كانت حول آلية تعديل الدستور، وأنها «تمثّل تجاوزاً واضحاً للأصول الدستورية، من شأنه أن يستدرج الأكثرية البرلمانية إلى ارتكاب جريمة دستورية رفضنا الانجرار إليها بأي شكل من الأشكال».
وقال «إن لائحة المطالب التي يتقدّم بها المعلم باسم النظام السوري، هي لائحة تقول للبنانيين بوضوح ومباشرة، إن مصير التوافق الوطني الداخلي ما زال في دمشق، وإن أي رئيس للجمهورية، بن فيهم العماد ميشال سليمان، لا يمكن أن يجد طريقه إلى قصر بعبدا، من دون الحصول على ورقة تفاهم كاملة مع النظام السوري».
وإذ رأى أن كلام المعلم «رسالة خطيرة بحق لبنان، ونخشى أن تتحوّل إلى رسالة تهديد ووعيد، ومشروع لتخريب الاستقرار الداخلي»، و«رسالة استباقية» لمؤتمر القاهرة، قال إن ذلك يحمّل «فرنسا تحديداً والمجتمع الدولي عموماً، مسؤولية مضاعفة تجاه هذا البلد الذي تتعرّض سيادته الوطنية والدستورية والديموقراطية لهجمة انتقامية، ردّاً على نجاح اللبنانيين في إخراج القوات السورية ومخابراتها من لبنان».
وفي عين التينة، قال رئيس المجلس الماروني العام وديع الخازن، عن تعليق المفاوضات الفرنسية ـــــ السورية، إن رئيس مجلس النواب «معنيّ بالملفّ الداخلي في لبنان لا بالشقّ الآخر، أي أن العملية ستنتهي في ما بين اللبنانيين. وإذا أجمع اللبنانيون على أمور تتعلق بالحل فهذا الحل يمكن أن يحصل وننتهي من هذه الحالة السيئة التي نتخبّط فيها».
ونقل عن بري تأكيده «أن لا مجال للتوصل إلى النتائج المطلوبة إلا بالحوار، والحوار عنوانه معروف وهو العماد ميشال عون لكونه المكلّف رسميا من المعارضة تداول كل الأمور العالقة للوصول إلى جوامع مشتركة لإنهاء الأزمة والركون إلى انتخاب رئيس للجمهورية توافقيّ مقبول من أكبر فئة من اللبنانيين».

لا تهاون مع المغامرين بأمن الوطن

وفي المواقف الداخلية أيضاً، لوحظ أمس ابتعاد مجلس المطارنة الموارنة، في بيانه الشهري، عن المواقف الجدالية والتصعيدية، متحدثاً في العموميات عن «أن التاريخ لن يرحم. وكل الذين يتسببون بمنع الحلول المرتجاة من بلوغ أهدافها، دولًا كانوا أو أفراداً، مسؤولين في لبنان وخارجه، سيبقى اسمهم مقترناً بالمآسي التي يقاسي منها الشعب اللبناني».
ورأى «أن الجو السياسي البغيض الذي يسود لبنان منذ عدة أشهر، وما يتخلّله من تراشق حادّ بين أهل السياسة، لا يساعد على حلحلة العقد التي يشكو منها اللبنانيون»، وأن الجدل الدستوري حول انتخاب رئيس الجمهورية بعد الاتفاق على المرشح، وتعذّر الاتفاق على انتخابه «كل هذا يُظهر مدى الخلاف القائم بين أهل السياسة الذين يسعى بعضهم إلى مصالحهم الخاصة قبل سعيهم إلى مصلحة بلدهم».
كذلك رأى «أن الشلل الذي أصاب مختلف المرافق الاقتصادية وما يرافقه من غلاء معيشة، وخصوصاً بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة، يبدي للعيان ما وصلت إليه الحالة من تردّ في لبنان»، لافتاً إلى عدم نجاح مساعي «الدول الصديقة» في إيجاد الحلول «على ما هو ظاهر حتى اليوم».
وأمس، حسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان موضوعاً سجالياً بين المعارضة والموالاة، بالقول خلال جولة في المدرسة الحربية بالفياضية: «إن عقيدة الجيش المرتكزة أساساً على الإيمان بوحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، وعلى مواجهة العدو الإسرائيلي، لا يمكن أن تتبدّل مع تبدّل الظروف، لكونها تنبع من مصلحة الوطن العليا»، مكرّراً «أن دور الجيش في الحفاظ على مسيرة السلم الأهلي، هو تكليف وطني ترعاه الإرادة الوطنية الجامعة ويحصّنه الوفاق».
وأكّد «عدم التهاون مع المغامرين بأمن الوطن الذين يقومون بأعمال استفزازية يحكمها سلوك غرائزي، بعيد كل البعد عن روح التوافق والتنافس السياسي الديموقراطي السليم».
والتقى سليمان في مكتبه في اليرزة رئيس البرلمان العربي محمد جاسم الصقر، والسفير الأميركي جيفري فيلتمان.

انتقادات لمطالبة الصقر بطائف جديد

إلى ذلك، اتّهم النائب محمد رعد «فريق السلطة» بأنه «أفلس نهائياً»، عازياً بقاءه في الحكم إلى «أن المعارضة لا تريد أن تدفعه إلى الهاوية».
ورأى أن «كل هذا الصراخ والتهويل بالنصف زائداً واحداً، ما هو إلا زعيق». وانتقد النائب وليد جنبلاط «الذي اعترف بممارسة الكذب على النظام السوري طيلة 25 سنة لكي يحمي
وجوده».
من جهة ثانية، أثارت دعوة رئيس البرلمان العربي إلى «طائف جديد»، سلسلة ردود فعل محلية، فنقل رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا، عن البطريرك الماروني نصر الله صفير قوله: «علينا احترام دستور الطائف، وخصوصاً أنه لم يطبَّق بشكل سليم. وعلينا ألّا نستسلم لليأس وأن نبقي على الأمل في النفوس لإحياء القيّم في لبنان والنهوض ببلدنا، ولنجعل الولاء له فوق أي ولاء». ورأى النائب أيوب حميّد أن «الحديث عن مثل هذا الأمر في ظلّ الواقع الراهن سيفتح أبواب جهنّم على اللبنانيين»، معتبراً أن «البعض يحاول الاستقواء بالواقع الدولي الجديد للحديث عن تعديل الطائف».
ودافع النائب محمد قباني عن الطائف، قائلًا «لا يمكن أن يُعاد النظر فيه في هذه المرحلة الخطيرة التي تقضي بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية».
أمنياً، أثارت الإشاكالات التي شهدها عدد من شوارع العاصمة مطلع العام الجديد، موجة استنكار واسعة مع دعوات إلى معالجتها بما يمنع تكرارها وتوسّعها. ونبّه النائب مصطفى هاشم «من أياد تحاول إيقاظ الفتنة من جديد في الشارع اللبناني».