راجانا حميّة
سبّبت الأمطار الغزيرة التي ضربت مدينة بيروت وبعض المناطق اللبنانيّة فيضاناتٍ في الطرق الأساسيّة، ما أدى إلى حدوث أزمة سيرٍ خانقة وتوقّف كلّي للسير في عدد من الشوارع. وقد أثارت موجة السيول التي ضربت لبنان جملة تساؤلاتٍ حول هويّة المسؤولين عن نبش الشوارع من دون المسارعة إلى معالجة مشكلاتها

غرقت شوارع مدينة بيروت، أمس، بأمطار مياهٍ «استثنائية»، حوّلت معها طرقات العاصمة الأساسيّة إلى مستنقعاتٍ وبركٍ، «احتجزت» مئات السيّارات والمارّة، إن وجدوا، داخل دوّامتها، حيث لا مفرّ لهم منها ولا مفرّ لها سوى الشارع، في ظلّ غياب معظم شبكات صرف المياه وتلكؤ بعض الجهات المسؤولة عن تأدية دورها في تسريع ورش العمل التي بدأت في تشرين الأوّل من العام الماضي ولم تنته إلى الآن. وإن كانت مدينة بيروت لا تستوعب كميّات المياه الاستثنائيّة التي تسقط، كما جرى أمس، بسبب «محدوديّة قدرة قنوات الصرف»، ثمّة من يرى العكس، ويرى مخالفاتٍ كثيرة وتساؤلاتٍ برسم بلديّة بيروت ومجلس الإنماء والإعمار وكلّ من له علاقة ببيروت الإداريّة.
وفي هذا الإطار، يسجل عدد من المهندسين المدنيين بعض المخالفات التي يمكن ملاحظتها على الأقل بالعين المجرّدة، إذ يلفت هؤلاء إلى أنّ مجاري المياه الموجودة في غالبيّة المناطق لم يتم تعزيلها، في الوقت الذي تتحمّل فيه بلديّة بيروت مراقبتها صيفاً شتاءً، خوفاً من الفيضانات. ويرى المهندسون، أنّه في ظلّ غياب قنوات صرف مياه الأمطار، يُستعان في غالبيّة المناطق بمجاري الصرف الصحّي، ما يُسجّل نقطة أخرى سوداء في سجلّ المعنيين بإصلاح شوارع بيروت، لسببين: أحدهما، التلكؤ في تنفيذ ورش العمل، وثانيهما مخالفة قوانين البنى التحتيّة، ما يسبّب خللاً في بنية الطرقات واستحداث فجواتٍ كبيرة فيها. من جهةٍ ثانية، يرى بعض المهندسين المدنيين أنّ ما يزيد الطين بلّة «أن تكون بلديّة بيروت تتعامل بتحيّز مع بعض المناطق، بعدما سُجّل غياب شبه كامل لأنابيب صرف المياه في ما يسمّى مناطق بعيدة عن الوسط».
وفي مقابل هذه التساؤلات، لم يجد المعنيّون من البلديّة والمحافظ مبرّراً لكلّ تلك الأسباب، ففي هذا الإطار، يلفت المسؤول عن مشاريع الصيانة عبد الناصر سعد «إلى أنّنا نقوم بكلّ شيء في أوانه، وكل ما يحصل في بعض الأوقات أنّ كميّة الأمطار التي تسقط لا تستوعبها شبكات الصرف بسبب محدوديّة قدرتها، في الحالات الاستثنائيّة». ويعزو سعد سبب «الفيضانات» في بعض الشوارع «إلى العطل، لا بالشبكة بل إلى سوء التنظيم في قانون البناء أو رصف الطرقات، بحيث تتجمّع المياه في الشوارع الأكثر انخفاضاً من سواها».
من جهةٍ ثانية، يشير سعد إلى «أنّ بعض الخلل يقع على عاتق المتعهّدين، لسببٍ بسيط هو أنّنا نحتاج إلى تسريعٍ في إنهاء ورش العمل، وهذا ما لم نلحظه في عددٍ من الشوارع، فزادت الحفريّات من سوء تصريف المياه». وفي الوقت الذي يعترف فيه سعد بغياب شبكات صرف مياه الشتاء في بعض المناطق لأسبابٍ كثيرة، أهمّها غياب الدراسات والاعتمادات والتمويل، كما يعترف سعد من جهةٍ ثانية، «أنّ هذا الغياب يفترض منطقيّاً أن تلتحق مياه الأمطار ببعض قنوات الصرف الصحّي». ويلفت إلى أنّ هذا الأمر «أرحم» من أن تنتقل مياه الصرف الصحّي إلى قنوات صرف مياه الأمطار، إذ إنّه مع مرور الوقت، قد تسبّب هذه الظاهرة خطراً آخر يتمثّل في انبعاث روائح كريهة وناقلة للأمراض، وخصوصاً أنّ شبكات مياه الأمطار مكشوفة ومختلفة عن شبكات الصرف الصحّي. وفي هذا الإطار، يشكو سعد «من تعدّيات الأبنية وبعض المحال التجاريّة التي تحوّل شبكات الصرف الصحّي إلى قنوات مياه الأمطار الأقرب إلى محيطها». ويشكو سعد من بعض الجهات التي لم تبادر إلى معالجة المشكلة في بعض الشوارع، فكانت أن وضعتها على لائحة الانتظار، إلا أنّه، في الوقت نفسه، يرى أنّ «العائق ليس هي، بل انتظار الدراسات التي لم تحصل حتى الآن».
يُذكر أنّ الأمطار التي تساقطت أدّت إلى توقّف السير في عددٍ من مناطق بيروت، ولا سيّما الجميزة والأشرفية والطرق المؤدية إلى برج الغزال ومنطقة الصيفي وأمام مبنى شركة «mtc»، وتعاونية موظفي الدولة في الكرنتينا والطريق المؤدية من أوتوستراد الفوروم نحو الحازمية، ما سبّب أزمة سيرٍ خانقة وتوقّفاً كلّياً للسير.
خلل مناخيّ
على صعيدٍ آخر، وصف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمصلحة الأبحاث العلميّة الزراعية المهندس ميشال أفرام في حديثٍ إلى «موبي نيوز»، نشرته «وكالة أخبار لبنان»، الأمطار التي هطلت صباح أمس «بالغزيرة»، مشيراً «إلى أنّ السبب ناتج عن الاحتباس الحراري وهو إحدى ظواهر الخلل المناخي الذي يسبب هطولاً غزيراً خلال فترة قصيرة من الوقت». ونبّه افرام من الضرر الذي ستلحقه هذه الأمطار، معتبراً أنّ عدم وضع خطة مسبقة للتعامل مع السيول سيؤدي إلى مزيد من المخاطر بسبب انسداد المجاري. وتوقّع أفرام أن تستمر الأمطار والمنخفض الجوي الذي يتعرّض له لبنان حتّى ظهر غدٍ الجمعة، وأفاد مراسل «الأخبار» في صيدا خالد الغربي «أنّ أكثر من شاروق إعصار صغير ضرب الشاطئ الصيداوي، حيث ارتفعت سحب من الغيوم على شاكلة سحابة دخان من البحر إلى السماء. كما تمكّن شاروق آتٍ من عرض البحر باتجاه اليابسة قبالة مدرسة المقاصد، مخلّفاً وراءه غباراً كثيفاً وجارفاً بعض النفايات والحجارة والأتربة، وقد أثار ذلك حالة خوف وهلع في صفوف المواطنين حيث لجأ بعضهم إلى داخل صيدا القديمة». ومن البقاع، أفادت مراسلة «الأخبار» سيرين قوبا أنّ مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة ـــــ رياق توقعت تساقط الثلوج اليوم الخميس على ارتفاع 1200م، واحتمال أن يمتد تساقطها بعد ظهر اليوم ومساءً إلى أقل من ذلك، وربما إلى ألف متر. ودعت المصلحة المزارعين وأصحاب البيوت البلاستيكية إلى الانتباه من الصقيع. وأشارت إلى أن مجموع كمية الأمطار الهاطلة بلغ لغاية اليوم (أمس) 175 ملم، يقابله في اليوم ذاته من العام الماضي 140 ملم. أما المعدل العام لغاية أمس الأربعاء فهو 255 ملم.