رامي زريق
سرق نمط الحياة السريع الذي فرض موضة الوجبات السريعة بهجة مواسمنا. وصادرت العولمة الغذائية بركاتها. في مقابل هذا المدّ، تعيد هذه الصفحة تكريم المواسم كـ«بديل» يعيد الاعتبار لهبات الطبيعة ويمثّل نقطة تلاقٍ بينها وبين إنسان نسي إيقاعها، وهو غارق في دوامة الاستهلاك والمعلبات المتوافرة دوماً والمليئة بالمواد الحافظة بينما تخلو من النكهة. في هذا الشهر تكون الأرض قد ارتوت، وبدأت النباتات البرية والزهور تظهر من جديد، وخصوصاً على الهضاب القريبة من الساحل. وفي هذه الأيام يبدأ أهالي القرى «بالتسليق»، أي بقطع الحشائش البرية على أنواعها: العلت (الهندباء البرية) والحميض والدردار والشومر والصعتر. تؤكل هذه الأعشاب نيئة مع الطعام أو مطبوخة. «العصورة» هي إحدى طرق طبخها حيث يسلق العلت ويعصر جيداً، ثم يضاف إليه البصل المقلي والقليل من زيت الزيتون.
تطل الأزهار الشتوية علينا، على رأسها «بخور مريم» المعروف أيضاً باسمه الأجنبي «سيكلامان» أو كما يسميه أهل جبل عامل: «السكوكع». يعيش بين الصخور ولا يحتاج إلا إلى القليل من التربة، لأنه يخزن مؤونته من غذاء وماء في ساق أرضي يشبه البطاطا، إلا أنه شديد المرورة والسمومية، لأنه يحتوي على مادة السيكلايين. وللذين يتذوقون الأسماك، فهذا موسم غزال البحر، السمك الملك، أو الأبوسن كما يسميه الصيادون. يقترب من شواطئنا مع انخفاض حرارة الماء، فينصب له الصيادون شباكاً خاصة، ويصطادون منه كميات كبيرة، لحمه أبيض ناصع يؤكل عادة مقلياً بالزيت أو مع الأرز في الصيادية، لكن أصبحت عادة تناوله نيئاً على الطريقة اليابانية شائعة في السنوات الأخيرة، إذ إن لحمه الأبيض الطري يذوب في الفم...