علي درويش *
سُمِّيَت «الحلم»، «الوصايا الثماني» و«المهمةالمستحيلة»، إنها الأهداف التنموية للألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة في تموز من عام 2000 وتبنّاها 147 رئيس دولة خلال قمة الألفية في أيلول من العام نفسه

هذه الأهداف لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت مؤتمرات نظمتها الأمم المتحدة في التسعينيات أنجبت وثائق عدة منها الأجندة 21 التي احتوت على مطالب تنموية وبيئية أكثر بكثير من الأهداف، ثم جاء التلخيص عبر أهداف الألفية على أن تحقق بحلول عام 2015 وهي:
ـــــ خفض عدد الفقراء الذين يعتاشون على أقل من دولار واحد يومياً إلى النصف،
ـــــ تأمين التعليم الابتدائي لكل الأطفال من الجنسين،
ـــــ تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة،
ـــــ خفض معدل وفيات الأطفال تحت سن الخامسة بنسبة الثلثين،
ـــــ تحسين الصحة النفسية ـــــ صحة الأمهات (بنسبة 75%)،
ـــــ مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض،
ـــــ تأمين الاستدامة البيئية وضمانها،
ـــــ إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.
وفي هذا الإطار تعهدت الدول النامية والفقيرة أن تستثمر طريق الرعاية الصحية والتعليم. وفي المقابل تعهدت البلدان الغنية تقديم الدعم المادي لها، من خلال المعونة وتخفيف عبء الديون، والتجارة العادلة.
في منتصف عام 2007 بدأ التقويم النصفي لتطبيق أهداف الألفية من خلال 48 مؤشراً وضعت مسبقاً لذلك! النتائج لم تظهر فعلياً... ولكن!
على سبيل المثال، لتطبيق الهدف الأول الذي يقضي بخفض نسبة السكان الذين يعانون الجوع إلى النصف بحلول عام 2015، كان على الاقتصاد الأفريقي أن ينمو بنسبة 7% بالسنة في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2015، وبحسب البيانات المتوافرة فقط 7 بلدان من أصل 153 بلداً تمكنت من إحراز هذه النسبة خلال الأعوام الـ15 الماضية.
أما الهدف الثاني، المتعلق بتمكين الأطفال في كل أنحاء العالم من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي بحلول عام 2015، فهو يوجب على بلدان عدة أن تتمكن من إحراز هذا الهدف بفترة عشر سنوات مقارنة بالبلدان النامية التي عملت حوالى قرن كامل لإحراز هذا الهدف.
على صعيد آخر، لا يمكن وقف انتشار مرض الملاريا بحلول عام 2015 دون معرفة عدد الأشخاص المصابين، والذين يتوفون من جراء إصابتهم بالملاريا.
في الجانب البيئي والتنموي، فقد ظهرت المشكلة ابتداءً من قمة التنمية المستدامة في جوهانسبورغ في عام 2002 حين أظهرت الأرقام أن إسهامات الدول المتقدمة في التنمية لم تتجاوز 0.22% من مدخولها في حين أنها التزمت تقديم 0.7%.
منذ بضعة أشهر، أظهر تقرير تغير المناخ الذي عرض في باريس أن الوضع العالمي متجه نحو الكارثة إذا لم يبدأ العمل الفعلي؛ فيما أكثر من ثلثي اليابسة مهدد بالتصحر وخسارة الإنتاجية. وفي هذا السياق، ورغم الزخم المعطى الإيجابية في تعاطي بعض الدول الصناعية مع الموضوع، لم يتمكن المجتمعون في بالي أخيراً من اعتماد آلية واضحة لتحقيق خفض الانبعاثات وتعديل مسار تغير المناخ بحلول 2012.
على صعيد التجارة العالمية، يسير تحرير الأسواق بمعزل عن تعزيز التجارة العادلة الحقيقية، مما أدى إلى ضرب المنتجين والمزارعين في العديد من الدول الفقيرة وزيادة فقرهم.
وبناءً على ما تقدم، يتبين بسهولة أنه رغم كون مبادئ الأهداف الإنمائية للألفية جيدة من حيث الفكرة، إلا أنها غير واقعية أبداً لمعظم البلدان لناحية قابليتها للتطبيق في ظل الواقع السياسي العالمي الحالي وغياب الإرادة السياسية.
في ظل هذا الواقع ونسب التطور لكلا البلدان الفقيرة والغنية يبقى الوصول إلى هذه الأهداف ضرباً من ضروب الخيال، وتصبح هي فعلاً الوصايا الثماني.
*باحث بيئي ورئيس جمعية الخط الأخضر