أنطوان سعد
مرة جديدة تقفل أبواب حل الأزمة القائمة منذ انتهاء حرب تموز 2006 تحت عنوان إشكالي بسيط شكلاً: إعطاء المعارضة الثلث المعطّل في الحكومة العتيدة المنوي تأليفها بعد الانتخابات الرئاسية أو عدم إعطائها هذا الثلث، باعتبار أن كل الأطراف السياسية أعلنت في الآونة الأخيرة موقفاً مؤيداً لاعتماد القضاء دائرة انتخابية. ومرة جديدة تختنق الأزمة السياسية في عنق الزجاجة إلى أجل غير مسمى لأن الحل الوسط غير متوافر، ولأن الطبقة السياسية غير خلّاقة بالمقدار الكافي لاكتشافه.
وما يخشى منه في شكل خاص أنه في حال اكتشاف هذا الحل الوسط الذي لا يبدو أنه يلوح في الأفق، سوف تستنبط الطبقة السياسية ما قد تختلف عليه أو سوف ينشب في النهاية نزاع ربما حول ما تختلف عليه في الأساس. فمنذ استفحال الأزمة السياسية الراهنة بين الموالاة والمعارضة قبل أكثر من عام، تتالت عناوين عدة للخلاف، وقد جرى تصوير كل منها على أنه العقدة الأساسية التي إن وجد الحل لها، انتهت الأزمة. لكن ذلك لم يكن صحيحاً، إذ لم تقبل الأكثرية إعطاء الثلث المعطل للمعارضة بعدما أقرّ مجلس الأمن المحكمة ذات الطابع الدولي، فيما لم ترضَ هذه الأخيرة بإنهاء إقفال باب مجلس النواب لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان بعدما أذعنت الأكثرية لهذا الخيار إثر انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية.
وللدلالة على أن الثلث المعطل ليس المشكلة الحقيقية أو لا يفترض به أن يكون العقبة التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، تستعرض شخصية سياسية مخضرمة بارزة النقاط
الآتية:
ـــ من حيث المبدأ إن فكرة الثلث المعطل عندما طرحت للمرة الأولى إبّان المناقشات التي دارت بين النواب المجتمعين في الطائف، رمت إلى التعويض على رئيس الجمهورية صلاحيات إقالة الحكومة التي انتزعها منه الاتفاق. وبما أن الأطراف السياسيين يرون اليوم أن العهد المقبل سوف يشهد بداية تنفيذ اتفاق الطائف، ينبغي أن يُترك لرئيس الجمهورية حق اختيار ثلث الوزراء زائد واحد. على أن يتم توزيع العدد الباقي على المعارضة والموالاة بحسب نسب تمثيلهما في مجلس النواب.
ـــ يقع على عاتق القادة المسيحيين في الموالاة والمعارضة تمكين رئيس الجمهورية العتيد من استعادة بعض الهيبة والصلاحيات والدور في المعادلة اللبنانية التي أصبح فيها المسيحيون هامشيين. والطريق إلى ذلك لا يتم من خلال تقوية المعارضة وتمكينها من إسقاط الحكومة وتعطيل قراراتها عندما لا تروق لها، بل من خلال جعل رئيس الجمهورية غير قابل للتجاوز أو الاحتواء على الأقل، كما هو حاصل اليوم مع رئيسي مجلس النواب والوزراء. ولا مجال لإعادة الاعتبار إلى موقع الرئاسة سوى بمساعدتها على استعادة الثلث المعطل.
ـــ طالما أن المعارضة قادرة على تعطيل البلد يجب القبول بمبدأ إعطائها قدرة التعطيل وعدم استنكار مطالبتها بها. لقد دام التعطيل ما يقارب الأربعة عشر شهراً، وهذه الفترة بالمناسبة تتجاوز معدل أعمار الحكومات في لبنان.
ـــ صحيح أن سياسة المراعاة لمن يتمتع بقدرة التعطيل لم تُجدِ لبنان نفعاً في الماضي، إلا أنها كانت دائماً السبيل الوحيد لجعل البلاد تتحرك وتعيش بعض الاستقرار، وبالتالي شيئاً من الازدهار. ليس من الواقعية في بلد مثل لبنان التفكير بحل جذري للأزمة طالما أنه متأثر بالنزاعات الدائرة في محيطه: العربي ـــــ الإسرائيلي، السني ـــــ الشيعي، السوري ـــــ السعودي، الإيراني ـــــ الأميركي وغيرها. على المسؤولين اللبنانيين أن يعوا طاقة لبنان واللبنانيين على الاحتمال وعدم تجاوز هذه الطاقة أيّاً كانت المغريات.
ـــ لمَ لا تفكر الأكثرية بإعطاء المعارضة الثلث الذي تطالب به، وتقنعها بإجراء الانتخابات الرئاسية وتحترم ما تلتزم به إلى أن ترى أن الظروف السياسية تغيّرت وأصبحت ملائمة لأشرعتها، فيمكنها إذذاك أن تستقيل. وبما أنها أكثرية فسوف يكون بمقدروها أن تعود إلى تأليف حكومة على الشكل الذي تراه مناسباً.
انطلاقاً من تجربة العام المنصرم، تعرب الأوساط المراقبة عن خشيتها ألّا يؤدي الاتفاق على شكل الحكومة العتيدة، إذا وجد، إلى حل الأزمة القائمة لأن العقدة التالية واضحة وجاهزة، وهي عدم قبول المعارضة بتعديل دستوري يمر في الحكومة، وهذه الأخيرة مصرّة على هذا المرور، فيما رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون يرى أنه لا يحق لمجلس النواب تعديل الدستور بالأساس في هذه الفترة. عود على
بدء.