عمشيت ــ جوانّا عازار
اكتشف الرسّام بيار شديد اللّون مصادفة، بينما كان يتأمل فنّاناً يرسم في جبيل، في عمر التاسعة حيث راح يرسم لوحات كما يراها متأثراً بألوان الطبيعة. حصل شديد على الألوان من «دهان» الأحذية وبويا الجدران، فنقل إلى قطعة قماش رثّة لوحة سبق أن شاهدها في محترف الفنّان الجبيليّ، إلى أن اكتشفه أستاذ فرنسيّ كان يزوّده بالمجلات وفيها صور اللوحات الفنيّة من متحف اللوفر، فأصبح شديد يتقن نقل اللوحات، مؤكّداً تأثّره بفنانّين عالمييّن منهم مايكل أنجلو وسالفادور دالي.
أمّا اليوم، فيسعى شديد إلى التحضير لمجموعة لوحات لها علاقة بالفسيفساء اللبنانيّة، ويفكّر في إمكان الجمع بين الألوان لتكون في حالة متناغمة متماسكة، والعمل على تجريدها لجعل كلّ لون يتجانس مع اللون الآخر. وقد اجتمع شديد ببعض الزعماء السياسيّين شارحاً الفكرة لهم. وهنا يقول شديد: «عندما يفهم زعماؤنا معنى الفنّ، نحظى برؤى ومفاهيم جديدة، وخصوصاً أنّ الفنّ هو الوجه الحضاريّ للشعوب، فالدول التي تجلّت في فنونها هي التي استمرّت عبر التاريخ». ويبقى الهدف من الفكرة التي يعمل شديد على تنفيذها هو البحث عن الوسيط الذي يراه في اللون والقادر على جمع مختلف الألوان السياسيّة والحزبيّة، كي يراه في الواقع، «فالألوان الوسيطة حاضرة دائماً لجمع الألوان السياسيّة، رغم تناقضها». ويوضح شديد أنّ التركيبة التي يعمل على تجسيدها في اللوحة تمثّل حركة ملوّنة فيها إيقاع يجمع لونين متناقضين لتصبح الألوان المتناقضة وحدة متناغمة متجانسة، قادرة على الانعكاس على من يراها ويفهمها، مشيراً إلى أنّ أيّ دخيل على اللوحة، يستطيع أن يلغي كلّ هذه المقوّمات.
وقد قاد شغف شديد بالألوان إلى التخصّص في المدرسة الوطنيّة العليا للفنون الجميلة في فرنسا في فنّ الـ«Arts Plastiques»، فواجه في إحدى الحصص الجامعيّة تحدي نقل جذع شجرة، معتمداً الحركة الدائريّة. من هنا، باتت الدائرة بالنسبة إليه هي الأساس، وجعلته يرى الواقع من زاوية أخرى، محاولاً التناغم مع الواقع والإضاءة على تفاصيل منه كما يراها، فكان أن اعتمد تيّار الإيقاع العمودي الأفقيّ. فالأفقيّة تمثّل الحياة التي نعيش في إيقاعاتها وتفاصيلها بألوان الطبيعة، فيما تمثّل العموديّة الحالة الروحانيّة والشفافيّة والانعتاق من الواقع. ويمثّل الترابط بين الأفقيّة والعموديّة ترابط العالمين الماديّ والروحانيّ. وتبقى الرؤيتان صحيحتين، بحسب شديد، كلّ من زاويتها.
وأتقن شديد الفنّ «المقدّس»، فاختيرت اللوحة التي رسمها للقديسة رفقا بين مئات اللوحات، واعتُمدت رسميّاً في الكنائس الكاثوليكيّة وهي موجودة في الفاتيكان ومنتشرة في دول العالم، إذ استطاع «النظّر خلف وجه القدّيسة رفقا، وغاص في عالمها الداخليّ مستنبطاً مكنونات مسيرتها الرهبانيّة».