جبيل ـ جوانا عازار
قلّة ممّن يزورون مدينة جبيل التاريخيّة لا يُلفت نظرهم المنزل القرميدي القديم المطلّ على البحر، والذي يقع داخل الموقع الأثري على مقربة من القلعة.
ويعدّ هذا البيت الشاهد الوحيد الباقي من مدينة جبيل في القرنين الماضيين، عندما كانت بيوت المدينة تغطي الموقع الأثري
بكامله.
فمع بدء التنقيبات الأثرية في المدينة، ظهرت معالم المدينة القديمة، وقرّرت السلطات استملاك البيوت وهدمها إفساحاً في المجال أمام علم الآثار لاكتشاف هذه المدينة التي تعدّ من أول مراكز الاستيطان في العالم. وهذا ما حدث بالتحديد: أُزيلت بيوت المدينة ولم يبقَ منها إلا هذا المنزل القرميدي الذي شيّدته عائلة الحسامي، وتحديداً مصباح وعثمان الحسامي في نهاية القرن التاسع عشر.
اليوم، المنزل فارغ، وهو مدرج على لائحة الجرد العام، أي إنه يُعدّ معلَماً أثرياً وتراثياً، وقد حافظت السلطات عليه لجماله الهندسي، ولأنه يرمز إلى الهندسة التي تميزت بها بيوت لبنان القرميدية. وكان قد تردّد سابقاً أنّ منقّب موقع جبيل الأثري، العالم الفرنسي موريس دونان، سكن في هذا المنزل، لكن النقيب السابق للأدلّاء السياحيين في لبنان، يزيد محفوظ، يوضح «أنّ دونان لم يسكن هذا المنزل، بل منزلاً آخر في المدينة قرب القلعة، وقد أصبح مكتب المديرية العامة للآثار في جبيل».
ويؤكد النقيب محفوظ أن أهمية المنزل اليوم، بالنسبة إلى الزائر، تكمن في أنه يمثل، من جهة، مستوى البناء في المدينة قبل الحفريات الأثرية، ومن جهة أخرى، يشهد على مختلف الطبقات الأثرية التي اكتُشفت قبل الوصول إلى «حي ما قبل التاريخ» الذي يقبع البناء في وسطه.
وتبقى الأمنية أن يجري تأهيل هذا البيت، فيصار إلى إزالة شجرة النخيل التي أوقعتها الرياح، وإلى إعادة استعماله بطريقة تنسجم مع الموقع الأثري، بحيث لا يبقى شاهداً «ميتاً» على فترة مضت، بل يصبح عنواناً مقصوداً، وخصوصاً أنه أصبح اليوم معلَماً من معالم المدينة التي، ولحسن الحظ، لم يصح قول موريس دونان عنها: «بعد عشرين سنة من موتي، لن يبقى شيء في جبيل».