عفيف دياب
• معقل عروبي أمام امتحان تغيير وجهه

تضج بلدة سعدنايل البقاعية بنشاط سياسي في ظل توتر أمني شهدته البلدة خلال الأسابيع الماضية، مما فتح باب النقاش الداخلي على مصراعيه حول موقع البلدة بعدما شطرت الموالاة والمعارضة الشارع اللبناني إلى جبهتين متقابلتين

أبناء سعدنايل يريدون بالإجماع التمسك بتقاليد بلدتهم التي، إن كانت تدين بالولاء إلى الأكثرية، فهي لا تنكر تاريخها الوطني والقومي الذي درجت عليه منذ بدء حياتها النضالية مع العمل الحزبي الذي وجد تربة خصبة في البلدة منذ أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، ووصل إلى أوجه مع الحقبة الناصرية وصعود اليسار اللبناني والثورة الفلسطينية، وصولاً إلى الحريرية، إذ إن البلدة اليوم قلعة ومعقل لتيار المستقبل الذي يفتخر بالمدد الذي تقدمه له، مما أعطاها صبغة سياسية لا يمكن تجاهلهاوسعدنايل، الواقعة في قضاء زحلة، متوسطة سهل البقاع ومخترقة بالطريق الدولية التي حوّلتها إلى ممر الزامي للعبور من شمال البقاع إلى وسطه وجنوبه وبقية المناطق اللبنانية، شهدت في أقل من عشرة أيام ثلاثة حوادث أمنية طاولت بعض المقربين من المعارضة، مما أوجد مناخاً مضطرباً مفتوحاً على احتمالات متشائمة.
ويقول وليد مرسل إن سعدنايل «مصرّة على أن تبقى في موقعها الوطني والقومي، وهي وإن كانت تلتقي مع الأغلبية النيابية، فإنها في الوقت نفسه ما زالت تؤكد موقفها الداعم لحركات مقاومة إسرائيل، وهي لم تنس فلسطين كما يحلو للبعض أن يزعم».
ويضيف مرسل أن «النشاط السياسي في سعدنايل كبير، والبلدة تستوعب جميع القوى السياسية والحزبية، وإن كانت لنا ملاحظات على قوى موالية ومعارضة تحاول جر البلدة إلى أمور ليست من عاداتها».
قراءة مرسل لواقع بلدته يؤكدها أيضاً الرئيس السابق للبلدية، زياد الحمصي، الذي يقول إن «موقع سعدنايل السياسي لم يتغير، وإن تغيرت الشعارات. فأبناء البلدة اكتشفوا زيف بعض الشعارات القديمة، لكنهم ليسوا مع أميركا كما يتهمهم بعض غلاة المعارضة، كل ما في الأمر أن سعدنايل اليوم ليست مع قوى 8 آذار، بل تجد نفسها مع 14 آذار».
ويتابع الحمصي قائلاً إن بعض قوى المعارضة يعمل على «تزوير تاريخ سعدنايل وتصنيفها بلدة معادية، وهذا الأمر ليس صحيحاً، فالبلدة تاريخها طويل في المقاومة الفلسطينية ولاحقاً في المقاومة الوطنية وما قدمته من شهداء يؤكد هويتها». ويضيف أن «هناك بعض المرفوضين اجتماعياً يسيئون إلى حزب الله والمقاومة»، وأن «لا مآخذ سياسية في سعدنايل على حزب الله المقاوم، لكن لأهالي البلدة ملاحظات على موقفه من المحكمة الدولية والنظام السوري، وبالتالي فإن انتقاد أداء حزب الله سياسياً لا يعني انتقاداً لأدائه المقاوم».
في المقابل يرى بعضهم في البلدة تراجعاً وتغييراً كبيراً في مزاجها، ويقول أحد قدامى الحزبيين إن «التوجه في سعدنايل أصبح مذهبياً، فالبلدة تغيرت كثيراً عن السابق، وهناك محاولات من بعض القوى للعبث بنسيجها».
وإن «القوى الحزبية التي تُعَدّ تاريخية في البلدة تقف اليوم متفرجة، وهي تنتقد ما يجري في سعدنايل داخل الغرف المغلقة، وأصبح حضورها في الشارع محدوداً جداً». ويضيف: «للأسف أصبح كل من يتحدث عن المقاومة وفلسطين في سعدنايل يصنف موضة قديمة، ويصبح منبوذاً».
هذا الرأي يرفضه مسؤول في تيار المستقبل في البقاع الأوسط من أبناء البلدة، ويقول إن سعدنايل هي مع تيار المستقبل الذي «لم يكن يوماً ضد المقاومة. فالرئيس الشهيد رفيق الحريري وفر الحماية الوطنية والدولية للمقاومة، وسعدنايل لم تبدل جلدها ولم تتغير، فهي مع المقاومة التي لا تهدد الداخل بسلاحها، وهي ليست مع مقاومة تحيد عن هدفها الأساسي في مواجهة إسرائيل أو تتحول إلى أداة تنفيذية للنظام السوري الذي نحر المقاومة الفلسطينية ثم المقاومة الوطنية، وهو يستعد لنحر المقاومة الإسلامية التي يجب أن يحميها حزب الله، لا أن يدخلها في الزواريب الضيقة».
لا يجد إبراهيم الشوباصي دقة في كلام مسؤول المستقبل، ويقول إن سعدنايل «تعيش حالة غربة كبيرة ومقيتة نظراً للمناخ السياسي الذي يسودها، العائد إلى عوامل سياسية آنية ومذهبية لا حياة لها في البلدة». ويرى أن هنالك «محاولات حثيثة من بعض القوى الطارئة على العمل الحزبي والسياسي لإخراج سعدنايل عن خطها الوطني والقومي والمقاوم»، عاقداً الآمال على من سماهم «بقايا المثقفين الذين كان لهم تاريخ طويل في النضال لإعادة سعدنايل إلى موقعها الصحيح».
سعدنايل التي كانت إحدى 4 بلدات في البقاع شكلت قاعدة كبيرة للعمل النضالي السياسي، مما حولها إلى بلدة مفضلة عند ياسر عرفات وخليل الوزير، وملاذ آمن لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ولجورج حاوي ومصطفى سعد ومختلف قادة «الحركة الوطنية» والمقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ووجد فيها النائب البريطاني جورج غالاوي «رأس حربة في مقاومة الاجتياح الأميركي للعراق»، يجدها المحامي إبراهيم الشحيمي اليوم «في غير موقعها التاريخي والطبيعي والوجداني»، ويقول: «للأسف دخل التعصب المذهبي إلى بلدتنا، وهذا التعصب يحاول أن يقلب المعادلة السياسية، لكن البلدة ستبقى ساحة رحبة للعمل الحزبي البعيد عن التعصب والغرائز، وستحافظ على هويتها الوطنية التي لا يستطيع أحد أن ينزعها منها أو يشوه تاريخها».

أرقام
وتواريخ


• يبلغ عدد سكان سعدنايل نحو 25 ألف نسمة.

• قدمت سعدنايل أكثر من 40 شهيداً على مختلف خطوط المواجهات من أجل عروبة لبنان وفي صفوف المقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، أبرزهم الشهيد محمد الدرخباني، وهو من قادة جبهة المقاومة، وإبراهيم الشوباصي ومحمد الشحيمي وأنور الحمصي.

• في سعدنايل أحزاب وتيارات سياسية مختلفة أقدمها الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب الاتحاد وحزب البعث العربي الاشتراكي، وقوى فلسطينية يسارية، فضلاً عن تيار المستقبل.

• بلغ عدد المقترعين في انتخابات 2005 النيابية 2238 مقترعاً، كانت حصة لائحة المستقبل منهم 80%.