149; نصر الله: لا تنازل عن مبدأ المشاركة الحقيقية في إطار حكومة وحدة وطنية
فتحت المبادرة العربية، كوّة في جدار الأزمة اللبنانية، يبقى اتساعها أو إقفالها رهناً بنتائج زيارة الأمين العام للجامعة العربية إلى بيروت، التي سبقها تباين في المواقف المحلية بين احتفاء مطلق بالمبادرة وترحيب حذر

«تفاهمات القطامية»... هو الاسم الذي يطلقه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، على نتائج اجتماع وزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا والجزائر وعمان، في منزله في ضاحية القطامية على أطراف القاهرة.
ومن الاسم ينتقل موسى إلى المضمون، ليؤكد أن النتائج عبّرت عن «روح جديدة»، حيث تم حسم الخلافات العربية في شأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان. وقالت مصادر في القاهرة (الأخبار) إن وساطة موسى «لتحسين الأجواء بين القاهرة والرياض ودمشق، نجحت أيضاً في تحييد سوريا وتعهدها بعدم التأثير على انتخاب رئيس للبنان».

صيغة التوافق وقاعدة «لا غالب ولا مغلوب»

بهذه الروحية يأتي موسى إلى بيروت ومعه البيان العربي الذي يدعو اللبنانيين إلى التوافق على خطة متكاملة لانتخاب رئيس للبلاد وتأليف حكومة وحدة وطنية والعمل على صياغة قانون جديد للانتخابات، على أن تكون كفة الترجيح في الحكومة العتيدة لرئيس الجمهورية. ورأت مصادر شاركت في الاجتماع، أن البيان «استند إلى صيغة التوافق اللبناني وقاعدة: لا غالب ولا مغلوب».
وحدّد الوزراء العرب مهمة الأمين العام للجامعة بإجراء اتصالات فورية مع كل الأطراف اللبنانية والعربية والإقليمية والدولية. وقال الوزير طارق متري، قبل عودته إلى بيروت أمس، إن موسى سيرفع إلى اجتماع مجلس الجامعة العربية في 27 الشهر الجاري، مدى نجاح لقاءاته في لبنان «أو أسباب تعثرها ومن المسؤول عن ذلك».
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد وصف قبل مغادرته القاهرة أيضاً، أجواء اجتماع «القطامية» بأنها كانت إيجابية. وتمنى على «الأشقاء اللبنانيين التريث في رد فعلهم على بيان وزراء الخارجية العرب، انتظاراً لوصول موسى إلى بيروت لسماع وجهة النظر العربية».
ونقلت صحيفة «البديل» المصرية، عن موسى أنه سيزور بيروت غداً، وأنه يتفهم رد فعل المعارضة ومطالبتها بدراسة المقترحات العربية قبل الإجابة عنها، قائلاً إنه «لا يحمل أية ضمانات للأطراف اللبنانية لحل الأزمة». وذكر أنه سيزور لبنان أكثر من مرة «لاستكمال المباحثات».
كما نقلت عن مصدر «قريب» من مكتب موسى قوله إن الأخير لن يقدم ضمانات بأن يكون قرار اجتماع القاهرة «مفتاح الحل الأكيد للأزمة اللبنانية»، مردفاً أن «الانفراجة التي شهدها الملف اللبناني بقبول دمشق التنازل عن الثلث الضامن لأي تشكيل حكومي، ليس من المؤكد ترجمتها من قبل قوى المعارضة بالقبول».

ترحيب عربي وأوروبي وأمل فاتيكاني

وفي دمشق، رأت القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية في سوريا، أن قرارات القاهرة «تشكل أساساً للوصول إلى توافق لبناني». كما أمل ممثل الخامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، من العاصمة السورية، أن تكون زيارة موسى إلى بيروت «ناجحة»، مؤكداً أن بلاده «تدعم كل ما يؤدي إلى اتفاق الرأي بين اللبنانيين».
وفي الرياض، أكد مجلس الوزراء السعودي «استمرار المملكة في جهودها لدعم المحاولات المبذولة للخروج من الأزمة السياسية في لبنان»، آملاً «في أن يرى الأفرقاء في لبنان أن مصلحتهم هي في تكريس المصالحة الوطنية والحفاظ على صيغ التعايش والوفاق»، ودعاهم إلى «التجاوب مع قرار مجلس الجامعة العربية والجهد الذي تبذله الجامعة لتحقيق الاستقرار في لبنان».
غربياً، شدّد البابا بنيديكتوس السادس عشر، خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في الفاتيكان، على أن الحوار والمصالحة كفيلان بدفع لبنان «نحو الاستقرار»، متمنياً للبنانيين «القدرة على اتخاذ القرار الحر الخاص بمستقبلهم»، وداعياً مسؤوليهم إلى وضع مصالحهم الخاصة جانباً. وتساءل «كيف لا يسعني أن أكون إلى جانب لبنان في ما يمر به، ولا سيما العنف والمحن التي تحفّ بهذا البلد العزيز؟».
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ترحيب بلاده بالمبادرة العربية التي وصفها بأنها خطة «ثلاثية المراحل»، وأنها تستلهم «الأفكار التي أسهمت فرنسا في تطويرها خلال الأشهر الأخيرة»، وتمثل «تطوراً شديد الإيجابية والأهمية وتحمل أملاً كبيراً»، داعياً كل المعنيين «إلى بذل كل جهد ممكن لتسهيل ترجمتها عملياً للسماح بالإجراء الفوري للانتخابات الرئاسية ضمن روحية التوافق وإقامة حكومة وحدة وطنية واعتماد قانون انتخابي جديد، وبالتالي إطلاق حل للأزمة السياسية في لبنان برمتها».
وقال إن بلاده لا تزال «على اتصال بالأطراف المعنيين كافة لتسهيل البحث عن اتفاق كهذا، بالتشاور مع شركائها، وهي تتابع في هذا الشأن حوارها الوثيق مع الجامعة العربية».
وأبدى الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا دعمه «بشدة، للخطة الثلاثية المراحل»، وأمل في نجاح مهمة موسى و«إعادة انطلاق المؤسسات الديموقراطية في لبنان سريعاً».
أما أميركياً، فقد لفت أمس تحرك للسفير جيفري فيلتمان دون أي تصريحات، حيث زار رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزير مروان حمادة الذي غادر لاحقاً إلى باريس التي تشهد اليوم لقاء بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والنائب سعد الحريري.

احتفاء وتبريك أكثريّان بـ«الإنجاز الكبير»

ولبنانياً، أظهرت ردود الفعل على المبادرة، محاولة تبنّ لها من الموالاة، فأمضى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مساء الأحد، في اتصالات مع عدد من القادة العرب ووزراء خارجيتهم وموسى، شاكراً لهم «رسم خريطة الطريق» للبنان «للخروج من المأزق». كما اتصل بعدد من المرجعيات الدينية في لبنان وقائد الجيش وقادة 14 آذار، داعياً إلى «احتضان» القرار العربي.
وأمس، استقبل السنيورة وفداً من لجنة المتابعة في قوى 14 آذار، تحدث باسمه النائب سمير فرنجية، فرأى أن المبادرة «لمصلحة كل لبنان بدون تمييز بين معارضة وموالاة»، متوقعاً انتخاب رئيس نهاية هذا الأسبوع «إذا تم التجاوب معها بسرعة». وغادر السنيورة مساء إلى دولة الإمارات.
وبارك مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، ما وصفه بـ«الانتصار» و«الإنجاز الكبير»، متمنياً على اللبنانيين دعم القرار العربي والالتزام بمضمونه و«السعي إلى تطبيق بنوده وتنفيذها» و«الابتعاد عن كل محاولة لتفسيره أو تأويله بما يؤخر أو يعوق أو يعرقل تنفيذه أو يخرج به عن الإطار الذي رسمه وحدده».
ورأى الرئيس أمين الجميل فيها «مدخلاً وآلية حل للخروج من المأزق الراهن»، مشيراً إلى «أن إعطاء الصوت المرجح للرئيس العتيد بداية للخروج من مرحلة التهميش للمسيحيين الذي قام نتيجة عزل رئيس الجمهورية وتطويقه وحصاره من الداخل والخارج».
كذلك، رحب «التكتل الطرابلسي» بمبادرة «الحل العربي للأزمة في لبنان»، متمنياً عدم تفخيخها أو تجويفها. وأثنى عليها النائب مصطفى هاشم الذي رأى فيها «تطوراً جدياً»، وحضّ على تلقّفها «تجنباً للفتن». فيما جاء ترحيب النائب سمير الجسر بها لأنها «تتماهى مع موقفي» السنيورة والحريري و«خصوصاً ضرورة أن يكون لرئيس الجمهورية المقبل الصوت الوازن في مجلس الوزراء».

...وترحيب حذر وخوف من وجود لغم

في المقابل، نقل وفد من «تجمع العلماء المسلمين» عن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، تأكيده «عدم التنازل عن مبدأ المشاركة الحقيقية في إطار حكومة وحدة وطنية تدار من خلالها البلاد ويتم فيها الحوار الوطني الذي يضع الإجابات عن كل المخاوف والهواجس التي يبديها الفرقاء على الساحة اللبنانية».
كما نقل عنه «أن المشروع الأميركي بدأ بالانهيار في كل العالم الإسلامي، وأنه يسير من فشل إلى فشل، ولن يقدّر له بسعي المخلصين أن يمرر مخططه في الساحة اللبنانية»، إضافة إلى تأكيده «جهوزية المقاومة لمواجهة أي مغامرة مجنونة يقوم بها العدو الصهيوني الذي سيلاقي بإذن الله هزيمة أشد من هزيمته التي تلقّاها في تموز لأن المقاومة اليوم باتت أكثر قوة وأشد بأساً وأعمق خبرة».
أما النائب ميشال عون فقال، إثر ترؤسه اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح»، «لا شيء جديد» في المبادرة العربية، مردفاً أن الموقف منها سيكون بعد الاستفسار عن مضمونها من موسى، وأن زيارته لا تحمل جديداً وأن «المبادئ هي نفسها التي كانت مطروحة خلال التفاوض الذي فشل سابقاً، ولكن عسى أن يتحسّنوا أكثر في الإخراج والإعداد».
وطالب بأن يكون بند الصوت المرجح لرئيس الجمهورية «في ورقة تفاهم مهما كانت طبيعتها»، مشيراً إلى أن وضع الضمانات في يد الرئيس نقطة إيجابية للجميع. وبالنسبة إلى الحكومة، رأى أن المبادرة تعني أن لا أحد يملك الأكثرية، بل «هناك فريقان يقدران على حذف ثالث من القرارات التي تتطلب الثلثين»، مفضّلاً تشكُّل أكثرية الثلثين «من كل الأفرقاء»، وأن يكون رئيس الحكومة توافقياً.
وأعلن أن تحرك المعارضة «لا يزال وارداً»، لكنه تمنى نجاح المبادرة العربية «وعندها نستغني عن الإجراءات على الأرض».
كذلك رأى عضو شورى «حزب الله» الشيخ محمد يزبك، أن بيان القاهرة «يحتاج إلى دراسة لما بين سطوره، وعلينا أن نبحث هل هناك لغم ما». وأعلن النائب محمد حيدر أن الحزب ينتظر موسى «لمعرفة تفسير البند المتعلق بإعطاء الصوت الوازن لرئيس الجمهورية من الناحية الرقمية (...) وإذا أتى التفسير كما فهمناه (عدم إعطاء حق التفرد لأحد)، فقد نشهد انتخاب رئيس السبت المقبل».
وبينما رأى الأمين العام لحركة «النضال اللبناني العربي» فيصل الداوود، أن المبادرة «تخفي بعض الانحياز لقوى 14 شباط»، أكد رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن سلسلة ضمانات، منها: وحدة لبنان وعروبته، انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية بالتوافق، تأليف حكومة وحدة وطنية يكون الترجيح فيها للرئيس، وانتخابات نيابية مبكرة وفق قانون تضعه حكومة الوحدة.
من جهة ثانية، أسف مفتي الجمهورية ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الموحدين الدروز نعيم حسن، في بيان مشترك، لـ«انحدار مستوى الخطاب السياسي لما يتضمنه من مفردات رديئة واتهامات ظالمة ومن تحريضٍ على الفتنة»، وطالبوا بـالتوقف عن التجريح والاتهامات.