كمال شعيتو
بعد نحو شهرين على مقتل المغدور الياس أنطوان الغريب في منطقة الصيفي،أصدر قاضي التحقيق في بيروت قراراً ظنياً رأى فيه إيجاب محاكمة ضابط وعنصرين في الأمن العام أمام محكمة الجنايات

قبيل الساعة التاسعة من صباح يوم الثلاثاء 6/11/2007 وبينما كان الياس أنطوان الغريب متوجهاً بسيارته التي تحمل لوحة تسجيل كويتية الى وسط بيروت، على المسلك الغربي لأوتوستراد الدورة ــــــ الكرنتينا، صودف مرور الملازم في المديرية العامة للأمن العام سامر ع. وهو يقود سيارته ذات الزجاج الداكن، وتحمل لوحة تسجيل مدنية، وبرفقته كل من المفتشين الممتازين في الأمن العام غسان ف. ومخايل ب.، قاصدين مركز عملهم في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي ومرتدين اللباس الرسمي.
ونظراً لتأخرهم عن دوام عملهم، زاد سامر ع. من سرعة سيارته وانحرف بها فجأة بطريقة «غير قصدية» أمام سيارة الغريب قبيل الجسر الجديد في محلة الدورة، مما دفع بسامر إلى إطلاق منبّه سيارته تكراراً، ما سبب توتر الأجواء بين السائقين على خلفية أفضلية المرور. وتطور الأمر الى تبادل للسباب بعد توقفهما جانباً بمحاذاة الجسر المذكور، حيث نزل الغريب من سيارته بعدما أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس مكتب بيروت الأولى في المديرية العامة لأمن الدولة طالباً معرفة مالك سيارة المرسيدس. وأعقبه باتصال هاتفي ثان بعقيد في الجيش لإعلامه بالخلاف وإعطائه مواصفات السيارة. من جهته، أجرى سامر اتصالاً بضابط في مفرزة استقصاء الشمال في قوى الأمن الداخلي طالباً أيضاً معرفة صاحب سيارة الـB.M.W.. أمّا غسان ومخايل، فقد شاركا في تبادل «قوارص الكلام مع المغدور». بعدئذ، غادر الغريب والمدعى عليهم المكان، كلٌّ باتجاهه المقصود.
إلا أن الطرفين التقيا صدفة على المسلك الغربي لأوتوستراد جسر شارل حلو، مقابل مقر جمعية الصناعيين اللبنانيين. وإثر وصول سيارة سامر بمحاذاة سيارة الغريب، بادر الأول إلى توجيه سؤال نابٍ للمغدور الذي أجابه بعبارات مماثلة، فأثار حفيظة سامر الذي نزل من سيارته وصفع المغدور على وجهه، فترجل الأخير أيضاً مستلاً هراوة من سيارته ولحق بسامر وعاجله بضربة منها. عندئذ، ترجل كل من غسان ومخايل، حيث قام الأخير بتثبيت المغدور، فيما تولّى غسان ضربه بواسطة عصا بايسبول معدنية كانت داخل المرسيدس، ومن ثم أقدم سامر على ضرب الغريب بعقب مسدسه الأميري على جبهته.
بعد ذلك، أفلت الغريب من المدعى عليهم الثلاثة وأحضر مسدس غلوك من داخل سيارته فحصل تبادل لإطلاق النار أصيب على أثره المغدور بطلق ناري في أسفل الصدر، ووقع أرضاً، فيما غادر الثلاثة المكان تاركين المغدور مضرجاً بدمائه على قارعة الطريق. وقد تمكن الغريب من معاودة الاتصال بالعقيد وأعلمه بتعرضه لإطلاق النار وإصابته قبل أن تحضر سيارة الإسعاف التي أقلت الغريب إلى المستشفى حيث ما لبث أن فارق الحياة في اليوم نفسه.
تجدر الإشارة إلى أن دورية من مكتب الحوادث المركزي كشفت على مكان الجريمة، بما في ذلك سيارة المغدور، فتبين وجود عدة مظاريف فارغة وهراوة وجهاز خلوي، إضافة إلى مسدس الغلوك. كما عوينت الإصابات الموجودة في بدن السيارتين وعثر داخل المرسيدس على علبة خرطوش فارغة، ماركة «وينشتر»، وعلى عصا بايسبول. وفي هذا الإطار، جرى كشف مجهري من جانب مكتب المختبرات الجنائية على المسدسات الأربعة المضبوطة والطلقات والمظاريف، إلا أن التقارير لم تتوصل إلى معرفة عيار المقذوف الذي اخترق جسد المغدور وأدى إلى مقتله. فيما أدلى المدعى عليه الملازم سامر في التحقيقات المجراة معه أنه أطلق ثلاثة عيارات فقط، فيما نفى غسان ومخايل إطلاق النار من مسدسيهما متذرعين بالاختباء خلف السيارتين.
هذا وجرى الاستماع الى العقيد في الجيش (المذكور أعلاه) الذي أورد أنه بعد 10 دقائق من اتصال المغدور به، عاد الأخير واتصل به وقال له «قوصوني، وحياة المسيح أنا منصاب وعلى الأرض». أمّا الرائد في أمن الدولة، فأفاد أنه بعد الاتصال الأول للمغدور به، بادر الى الاتصال بالمغدور الذي فتح خطه وسمعه يتفوه بعبارة نابية وسمع شخصاً آخر يجيب «أنت ضيقت الطريق علي». كما استمع الى عدة شهود عيان أجمعوا على مشاركة المدعى عليهم الثلاثة في معاملة المغدور بالعنف قبل حصول إطلاق النار.
بناءً على ما تقدم، قرر قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي إيجاب محاكمة الملازم في الأمن العام سامر ع. والمفتشين الممتازين غسان ف. ومخايل ب. أمام محكمة الجنايات في بيروت واعتبار فعلهم من نوع الجناية المنصوص عنها في المادة 547/213 عقوبات. وقرر العنيسي رد «ما أثير لناحية الدفاع المشروع لانتفاء أركانه القانونية، ورد ما أثير لناحية أعمال أحكام المادة 228 عقوبات وحالة الضرورة للأسباب المبينة فيما سبق». علما أن وكيل الموقوفين الثلاثة تقدم بتاريخ 8/12/2007 بمذكرة طلب بموجبها اعتبار فعل سامر دفاعاً عن النفس واعتبار فعل غسان ومخايل «غير معاقب عليه لأنه كان دفعاً لاعتداء سائق الـB.M.W. أو بسبب اعتدائه على الملازم سامر، وهما يعملان تحت إمرته».