نعمت بدر الدين
سألت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى عن مغزى التهميش «الإيجابي» الذي مارسته جامعة الدول العربية بحق وزارة الخارجية والمغتربين، منذ ما قبل عقد اجتماع القاهرة، وصولاً إلى إرساء آلياته، وكأنها المرة الأولى التي يحاول فيها الأمين العام عمرو موسى التعامل مع الواقع اللبناني ويخرج عن البروتوكول.
وقالت المصادر إن الجامعة تعاملت مع لبنان كحالة خاصة في كل شيء، حتى إنها تخلّت عن أصول العمل الدبلوماسي في تعاطيها مع وزارة الخارجية والمغتربين، بدءاً من توجيه الدعوة، إلى غياب جدول الأعمال الذي يفترض أن توزّعه الوزارة على المسؤولين لكونها المعنية الأساسية. وأبدت استغرابها من تماهي الجامعة العربية مع دور السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان، وغيره من السفراء العرب والغربيين الذين يهمّشون دور الوزارة. وشددت على أنه كان يجب التعامل مع الخارجية بشخص الوزير فوزي صلوخ بطريقة مختلفة، وعدم تهميش الوزارة التي ما زالت تمثل لبنان في علاقاته العربية والدولية. وتساءلت عن مغزى تجاهل الجامعة الرسالة التي وجّهها صلوخ إلى موسى، والتي تشاور معه في مضمونها خلال اتصالات حصلت بينهما.
وانتقدت مصادر دبلوماسية لبنانية عدم ترؤس صلوخ الوفد اللبناني إلى اجتماع القاهرة، بعدما طلبت رئاسة الحكومة منه ذلك، متذرّعاً بالتزامه النهج ذاته منذ استقالة الحكومة، وانطلاقاً من أنه لم يشارك منذ عودته إلى «تصريف الأعمال» في أي من المؤتمرات الدولية أو العربية، التي كان آخرها مؤتمر أنابوليس. ورأت أن مشاركة صلوخ في القاهرة لم تكن لتنتقص من الفريق الذي يمثّله، ومشاركته لو حصلت لكانت أفضل من مشاركة الوزير الوكيل. إلا أن المصادر أثنت على مضمون الوثيقة التي أرسلها صلوخ إلى موسى لتوزيعها على الوزراء العرب، وعرض فيها الوزير موقف لبنان، متحدثاً عن «المقاربة السلمية الكفيلة بنجاح معالجة الأزمة اللبنانية عبر الحوار اللبناني، والتسهيل الخارجي الذي يقوم على التواصل الموضوعي والمتوازن مع كل الأطراف، توصلاً إلى حل يراعي تطلعات الجميع، على قاعدة الوفاق الوطني والعيش المشترك». ورأت المصادر نفسها أنه كان على موسى أن يلحظ إشارة مفادها أن الجامعة تملك الرغبة في التعاطي مع لبنان كدولة ومؤسسات، رغم الأسباب التي تجبرها على تخطّي الوزارة، لا أن تشارك في التهميش.
ورأت المصادر اللبنانية أن صلوخ، وانطلاقاً من إيمانه بدور وزارة الخارجية الموحِّد لجميع اللبنانيين، وإيماناً بإحساسه العالي بالمسؤولية، عرض في مذكرته إلى موسى وجهة نظر فريقَي الأكثرية والمعارضة. وبهذا، تكون الوزارة قد عبّرت عن واقع البلاد كلها بدلاً من تكريس واقع الانقسام الداخلي.
ولكن هل صُنِّفت الرسالة كوثيقة رسمية، ووزعت على المشاركين في الاجتماع لكونها صادرة عن مرجع رسمي معني وممثل للبنان؟ لم يحصل ذلك، وتحولت وثيقة صلوخ إلى حركة رمزية مفادها أن الوزارة لا تغيب ولا تغيَّب.
وتحدث مصدر دبلوماسي عربي عن أن الدول المشاركة في اجتماع القاهرة «تعرف البئر وغطاءها»، ولم تنتظر موقف الوزير طارق متري ولا شرحه. فهي تتعامل مباشرة مع الأفرقاء الكبار في الخارج والداخل. وختمت بالقول إن اجتماع التفاهمات الختامية الذي عقده الوزير الوكيل لم يتجاوز 45 دقيقة بين المعلم ومتري والفيصل. فكيف لاجتماع خاطف كهذا أن يقرأ رسائل المعارضة والموالاة، ورسائل صلّوخ وعرض متري، ويصل إلى نتيجة!؟