strong>غسان سعود
• 16.6% فقط عادوا إلى الجبل ليرمّموا منازل لن يسكنوها والعودة المسيحية إلى شرق صيدا تضاعفت أخيراً

سيقدم الباحث خليل أبو رجيلي بالتعاون مع التيار الوطني الحر دراسة موثقة عن أحوال المهجرين من جبل لبنان الجنوبي والجنوب، يقارن فيها بين نسبة العودة وظروفها في هاتين المنطقتين حيث للمسيحيين في كل واحدة منهما «حلف استراتيجي». نتيجة الدراسة تظهر أن تفاهم التيار وحزب الله أفضل، بالنسبة للمهجرين المسيحيين، من تحالف جعجع جنبلاط

منذ أواسط الثمانينيات بدأ الكلام على قضية المهجرين ولم ينته بعد رغم استحداث وزارة وتخصيص صناديق وصرف ملياري دولار، مما حوّل المهجرين من عبء صغير على القرى والمدن التي استقبلتهم إلى عبء على مستوى الوطن. لكن، رغم تحول هؤلاء قضية وطنية، ونص دستور اللبنانيين الجديد (الطائف) على ضرورة حلّها وتأمين عودة أصحاب الحق إلى قراهم ومنازلهم وأراضيهم، فإن آخر الدراسات عن أحوال مهجري جبل لبنان تثبت تراجعاً في نسبة العائدين خلال العامين الماضيين، وهجرة مجددة لأشخاص غامروا بالعودة إلى بلداتهم. واللافت في الدراسة الموثقة، التي أعدّها الباحث المتخصص بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية خليل أبو رجيلي وسيعلنها في مؤتمر صحافي قريب، أن أعداد المهجرين العائدين إلى منطقة شرق صيدا تكاد تكون ثلاثة أضعاف عدد المهجرين الذين عادوا إلى جبل لبنان الجنوبي (الشوف، بعبدا، عاليه).

تهجير ــ عودة ــ تهجيرومقابل تغنّي السنيورة بمنجزاتهما على هذا الصعيد، تثبت الأرقام أن عدد العائلات المهجرة (14366 عائلة) التي عادت إلى عاليه، تراجع من 1555عائلة عام 2001 إلى 1529 عائلة عام 2007، أي إن 26 عائلة تراجعت عن قرارها العودة إلى بلداتها وهجرتها مجدداً.
علماً أن 21 بلدة مسيحية من أصل 148 بلدة في جبل لبنان الجنوبي لم تشهد عودة أحد من أبنائها، وهي موزعة كالآتي: 9 في عاليه، 2 في بعبدا (كفرسلوان ورأس المتن)، و10 في الشوف. وبعض هذه البلدات شهد في أواخر التسعينيات محاولات من أبنائها للعودة باءت جميعها بالفشل. ففي بلدة الخريبة الشوفية، تشير الإحصاءات إلى أن خمس عائلات مسيحية من أصل 68 كانت تسكنها قبل التهجير عادت عام 1999، لكنها لم تلبث أن غادرتها. والأمر نفسه يسجل في مزرعة الشوف التي عادت إليها عائلتان عام 2002 ولم تلبثا أن غادرتا بعد سنة واحدة. وفي الأرقام أيضاً، يمكن أن نحصي في الشوف، بعبدا، وعاليه 39000 عائلة مسيحية هُجّرت من 28000 منزل كانت تسكنها، وأعيد تأهيل 17500 من هذه المنازل، وثمة 7671 في طور التأهيل، و2882 منزلاً ما زالت مهدّمة أو محتلة، فيما لا يتجاوز عدد المنازل المأهولة 6531، رغم أن عدد المنازل الجاهزة للسكن كما سبق أن ذكرنا يبلغ 17500. أي إن أكثر من عشرة آلاف عائلة رممت منازلها في الجبل لكنها لا تسكنها. علماً أن الأبحاث عن أحوال مهجري الجبل تقول إن 22% من هؤلاء كانوا قد تملكوا عام 1992 منازل وأراضي بعيدة عن قراهم الأصلية.

أسباب الهجرة الجديدة

يعيد رئيس بلدية بحمدون الضيعة وليد خيرالله أسباب عودة قرابة 80 عائلة إلى بيروت من أصل 250 كانت قد رجعت إلى بحمدون الضيعة (1370 عائلة مسيحية قبل الحرب) في بداية الألفين إلى غلاء المحروقات وعدم توافر فرص العمل ووعورة الطرق، فيما يربط أبو رجيلي هذه الظاهرة بعدم اطمئنان العائدين إلى الغد، وشعورهم بأن الدولة لم تأخذ بعد قراراً حازماً يضمن عودتهم بوصفهم أصحاب حق إلى بلداتهم، ومعظم الذين عادوا شعروا بالذميّة، وفق أبو رجيلي، الذي يلوم الحكومات المتعاقبة لعدم اتخاذ إجراءات عملية تعزز الحياة المشتركة بين المسيحيين والدروز في الجبل، وتحويل قضية المهجرين إلى سلعة في البازار السياسي، وصرف الأموال تبعاً لروزنامة سياسية. مشيراً إلى شعور العائدين بأن الدولة غير قادرة على حمايتهم وأن الظروف التي تسببت بتهجيرهم قد تتكرر.
في السياق ذاته، يشير أحد مسني بلدة البيرة الشوفيّة إلى نسبة العائدين المرتفعة في بلدته، مؤكداً أن السبب عمل معظم أهالي البلدة في الزراعة، محملاً الحكومات المتعاقبة مسؤولية المشاركة في تهجير المسيحيين من بلداتهم عبر إضعاف القطاع الزراعي في الجبل وعدم توفير فرص عمل للعائدين. وبشيء من السخرية يتابع العجوز قائلاً إن شجر «الاكي دنيا» أعاد إلى بلدة علمان أكثر مما فعلت الحكومات بكثير.
ويحمّل آخرون الكنيسة المارونية جزءاً من المسؤولية عن تعثر عودتهم، معتبرين أن على سيّد الصرح إعادة النظر في هذا الملف الذي يشهد تراجعاً في أعداد العائدين إلى الجبل منذ زيارة صفير التاريخية. ويقول أحد هؤلاء إن مؤسسة كاريتاس والسفارة البابوية دفعتا في بعض البلدات المختلطة لأبناء الطائفة الدرزية أضعاف ما دفعته للمسيحيين الذين يستغربون كيف يعودون إلى بلداتهم ولم يُعَد ترميم إلا 110 كنائس من أصل 229 هدمت. ويقول بعضهم إن بلدتي المطلة ورشميا تمثّلان نموذجاً عن أهمية دور الكنيسة في تشجيع العودة، إذ دفعت إعادة فتح دير الراهبات في الأولى أكثر من ستين عائلة للرجوع إلى المطلة، ورفع تنشيط الدير في الثانية وافتتاح مدرسة الراهبات الأنطونيات نسبة العائدين فيها مقارنة بالبلدات المجاورة.

من معجزات التفاهم!

بدوره، يقارن مسؤول ملف المهجرين في التيار الوطني الحر سيزار أبي خليل بين نسبة المهجرين العائدين إلى بلدات الشوف، بعبدا وعاليه التي تراجعت إلى 16،6% ونسبة المهجرين العائدين إلى بلدات شرق صيدا والتي ارتفعت أخيراً لتتخطى 50%، رغم أن كل التعويض في الجبل بلغ 30 مليون ليرة لإعمار الوحدة السكنية فيما حصل ابن الجنوب على عشرين مليوناً فقط. ويضع أبي خليل هذه الأرقام «برسم الكنيسة التي أجرت المصالحات باسم المهجرين، وبرسم الذين ادّعوا أن العودة أنجزت، وبرسم نواب جبل لبنان الجنوبي عامة ونواب قضاء عاليه حيث سجل التراجع الكبير في نسبة العائدين» وبرسم الرأي العام الذي يفترض أن يقارن بين نسبة العودة في المنطقتين وفهم ظروفها.
ويقول أحد المتابعين إن دفاتر حسابات الوزير طعمة تشير إلى دفعه في البلدات الدرزية أضعاف ما يدفعه في البلدات المسيحية لتطوير البنى التحتية وتشجيع الأهالي على البقاء في أرضهم. وفي سياق انتقاد السلطة، يظهر أبي خليل صرف وزارة المهجرين 90 مليار ليرة خلال 2007، أكثر من 58% منها دفعت لأبناء الطائفتين الدرزية والسنية، ولا سيما في بيروت وطرابلس وغيرهما من مناطق نفوذ تيار المستقبل، وفقاً لروزنامة تيار المستقبل السياسية. مشدداً على ضرورة أن يجيب نواب جبل لبنان الجنوبي عامة ونواب قضاء عاليه خاصة (حيث سجل تراجع كبير في نسبة العودة) عن هذه الأسئلة، خصوصاً أن حجة طعمة بعدم توافر الأموال لم تعد مقنعة، خاصة أن الأرقام تثبت توزيعه الأموال على غير مستحقيها وبطريقة سياسية. ويرى أبي خليل أن بلدة عين درافيل كفيلة أن توضح ما تعجز الأرقام عن إيضاحه أحياناً. فهذه البلدة المسيحية لا يسكنها دروز، ولم تحصل فيها مجازر أو حالات قتل (باستثناء واحدة) ولا تحتاج إلى إجراء مصالحة. غير أن الوزارة تعلّق الدفع لهؤلاء في انتظار أن تجد وسط الدروز شريكاً للمسيحيين في تقاسم التعويضات.

يد
جنبلاط


لا ترتبط عودة المهجرين بالأموال، أو بالمدارس والكنائس، يقول أحد مرشحي بعبدا ـــــ عاليه السابقين، «يتعلق الأمر بالنائب وليد جنبلاط»، يتابع مؤكداً. ويشير إلى أن الناس لم تنس بعد «مآثره»، وأمّا تبسّمه مع الرئيس أمين الجميّل والدكتور سمير جعجع في الصور فليس عنصر طمأنينة كافياً ما دام قرار الجبل في يده وحده، وكل المؤسسات الرسمية في الشوف وبعبدا وعاليه خاضعة لهيمنته. ويشير المرشح السابق الى ان رفض جنبلاط لاستعادة المسيحيين دورهم الاقتصادي والاجتماعي في الجبل هو السبب الرئيسي في قمع الحراك الايجابي في هذا الملف.


الحاجز النفسي


الدكتور خليل أبو رجيلي، المهجّر من بلدة سرجبيل الشوفيّة، يتوقف عند الأسباب الاقتصادية التي تعوق عودة المهجرين، لكنه يرى أن السبب الأساسي، وفق ما تبيّنه إحصاءاته، هو الحاجز النفسي. وبحسرة يقول إن معظم الذين عادوا إلى بلداتهم مسنّون حنّوا لأرضهم، فيما الشبان لا يطمئنون إلى العودة بعد ما شاهدوه وسمعوه من أهلهم، خصوصاً أن الدولة غائبة عن هذه المنطقة، والمخافر، إن وجدت، تدين بالولاء للسيد جنبلاط. ويستغرب أبو رجيلي التذرّع ببعد المسافة بين عاليه وبيروت، خاصة أن «نسبة العودة إلى قرى شرق صيدا الأبعد من عاليه بكثير تتصاعد»، الأمر الذي يؤكده السيد سيزار أبي خليل المتابع لقضية المهجرين في التيار الوطني الحر، مشيراً إلى ضرورة أن يعترف الفريق الممسك بهذا الملف منذ 17 سنة بفشله، ويعطي الفرصة للمعارضة التي أنجزت الخطة البديلة، وتنتظر أن تصل إلى السلطة لتطبقها «وتعيد كل صاحب حق إلى أرضه».