نقولا ناصيف
يتحدّث عائدون من واشنطن، عشية بدء الرئيس الأميركي جورج بوش جولته على دول المنطقة، عن انطباعات كانوا قد لمسوها من لقاءات جمعتهم بدبلوماسيين قريبين من البيت الأبيض، تشير إلى استمرار لبنان في سلّم أولويات الإدارة الأميركية. وتركز الحجج التي أوردها الدبلوماسيون الأميركيون على الآتي:
1 ـ إبقاء صلة الاتصال المباشر بلبنان بعد مغادرة السفير جيفري فيلتمان بيروت في الأسبوعين المقبلين عقب انتهاء مهمة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، على أن تخلفه في سفارة بيروت السفيرة الأميركية الحالية في الإمارات العربية المتحدة ميشال سيسون التي ستباشر عملها بصفة قائمة بالأعمال إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، تتقدّم على الأثر بأوراق اعتمادها على غرار حال القائم بالأعمال الفرنسي في بيروت أندره باران.
2 ـ تجد الإدارة الأميركية في لبنان المنفذ الوحيد إلى نجاح دبلوماسي غير مكلف لها في المنطقة، في ظل آفاق مسدودة على الجبهتين الأخريين، وهما المفاوضات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية والمسار السوري ـــــ الإسرائيلي. ويلاحظ الدبلوماسيون الأميركيون أمام زوارهم اللبنانيين أن واشنطن لا تكتفي بإقفال الأبواب أمام تحريك هذا المسار، بل تعارض أي تفاوض بين الدولتين، ولا ترى الوقت مناسباً لإحراز تقدّم على هذا الصعيد.
3 ـ يصرّ البيت الأبيض على توفير أوسع دعم لقوى 14 آذار التي يعدّها حليفاً رئيسياً في مواجهة النفوذ السوري في لبنان، يعبّر عنه المدافع الأول عن هذا الخيار، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي أليوت أبرامز، القائل بأن على قوى 14 آذار أن تخرج من الأزمة السياسية والدستورية اللبنانية الحالية رابحة، وإن كل تسوية تأخذ في الاعتبار مصالح حزب الله ـــــ وإن في حدّها الأدنى ـــــ هي «غير مقبولة». ويرفض حتى الافتراض أنه يتعيّن لإمرار تسوية سياسية داخلية في لبنان إعطاء حزب الله، ومن خلاله سوريا، إنجازاً ما.
4 ـ لا يكتم الدبلوماسيون الأميركيون ارتياحهم إلى إخفاق الجهود التي بذلها في الشهرين المنصرمين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومعاونوه في لبنان، ولا يترددون في وصف مبادرة لحل الأزمة بأنها «أصبحت وراءنا». وهي إشارة إلى أن تشجيع واشنطن باريس على التحرّك في لبنان، والتحاور على قدم المساواة بين قوى 14 آذار والمعارضة، لإنقاذ انتخابات الرئاسة لم يتخطَّ حدوداً دنيا بسبب الاختلاف في أسلوب كل من البلدين في مخاطبة سوريا وحلفائها اللبنانيين، واستعجال الخوض في حوار مع دمشق على هذا الموضوع.
5 ـ تنظر واشنطن بكثير من الارتياب إلى الدور الذي يضطلع به الرئيس ميشال عون في الوضع الراهن بشقيه السياسي والمسيحي، وتجد دوره هذا سلبياً ومؤثراً ضد حسم الصراع السياسي لمصلحة قوى 14 آذار، ما يحمل الدبلوماسيين إياهم على القول أمام زوارهم اللبنانيين عن عون إنه «يترأس اللائحة المكروهة» لدى الإدارة الأميركية بسبب انقلابه على حلفائه السابقين في قوى 14 آذار وتحالفه مع حزب الله، وكذلك وقوفه عقبة رئيسية في وجه انتخابات الرئاسة اللبنانية.
6 ـ يلاحظ الدبلوماسيون الأميركيون أن زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دافيد ولش، يرافقه أبرامز لبيروت في 15 كانون الأول الفائت و18 منه، عزّزت صلابة قوى 14 آذار وثبّتت تضامنها. ويعتقدون أن مفتاح تحرّك ولش ونجاح مهمته القصيرة في بيروت كان الاجتماع برئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. وينسبون، في معرض تقويم واشنطن لنتائج الزيارتين إلى بيروت، إلى أبرامز قوله إنه كان «صاحب رصيد كبير» في إعادة الزعيم الدرزي إلى قيادة قوى 14 آذار. إذ لم يكتم هؤلاء قلقهم من لهجة لم يكونوا قد ألفوها في السنتين المنصرمتين في بضعة مواقف أطلقها جنبلاط، أبرزت اهتمامه بالتوصّل إلى تسوية سياسية مع المعارضة وعلى رأسها حزب الله.
7 ـ تحرص الإدارة الأميركية على تأكيد اهتمام لم يتزعزع بالمضي قدماً في المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قَتَلة الرئيس رفيق الحريري. وبحسب الملاحظات المستقاة من الدبلوماسيين الأميركيين، فإنهم يرون أن نهج الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية القاضي الكندي دانيال بلمار وطريقة عمله هو أقرب إلى أول رئيس للجنة التحقيق القاضي الألماني ديتليف ميليس منه إلى خلفه القاضي البلجيكي سيرج براميرتس، ويبدون ارتياحهم إلى ما يتوقعونه من أدائه وإصداره خلال هذه السنة قراراً ظنياً يتهم مَن توصل التحقيق الدولي إلى اعتبارهم فاعلين أو ضالعين في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية. ويستند ارتياح الإدارة الأميركية إلى المسار الجديد الذي ستسلكه المحكمة الدولية، بعد انتهاء عمل لجنة التحقيق، إلى احتمال توجيه الاتهام إلى سوريا بقتل الحريري. بل يذهب الدبلوماسيون الأميركيون أمام زوارهم اللبنانيين إلى القول إن واشنطن تعتزم بذل جهود حيوية لتأمين التمويل اللازم للمحكمة الدولية التي لم تستطع حتى الساعة الحصول إلا على عشرة ملايين دولار أميركي مناصفة من الحكومتين اللبنانية والأميركية، بينما يتطلب تمويلها 45 مليون دولار للسنة الأولى، و85 مليون دولار للسنتين الثانية والثالثة. ناهيك بأن انطلاق المحكمة الدولية يبعث بإشارات قوية إلى سوريا عن جدية عمل المحكمة الدولية. وتبعاً لما ينسبه الدبلوماسيون الأميركيون إلى مسؤولين سعوديين كبار، فإن الأخيرين لمسوا في الفترة الأخيرة قلقاً سورياً جدياً من احتمال وصول التحقيق الدولي إلى أدلة قاطعة تشير إلى ضلوع دمشق في اغتيال الحريري. ومن شأن تطورات كهذه، يستنتج الدبلوماسيون الأميركيون، أن تساعد في ترجيح كفّة التوازن السياسي في لبنان لمصلحة قوى 14 آذار في مواجهة خصومها.