البقاع ـ الأخبار
انتظر اللبنانيون الذين حاولوا الدخول إلى سوريا عبر نقطة المصنع الحدودية خلال اليومين الماضيين أكثر من ثماني ساعات، للحصول على أوراقهم الثبوتية التي احتجزها عناصر الأمن العام السوري وضبّاطه، وذلك بعدما «استجوبوهم»، وطلبوا إليهم تقديم إثبات على تأييدهم للمعارضة اللبنانية. أما الشاحنات، فلم يعبر منها أمس أكثر من ثلاث

عجّت «كافيتيريا» السوق الحرة باللبنانيين الزائرين للأراضي السورية منذ ساعات الصباح الأولى، حتى ساعات متأخرة من مساء أول من أمس. ينتظرون الإفراج عن هوياتهم بعدما احتفظ بها عناصر الأمن العام السوري أثناء تقديمها للحصول على تأشيرات دخول، بحجة التدقيق فيها، لتمثّل حالة من الاعتراض لدى العابرين الذين طالبوا بهويّاتهم ليعودوا إلى ديارهم من دون استكمال زيارتهم لسوريا.
التقت «الأخبار» العديد من المواطنين العالقين عند السوق الحرة في منطقة جديدة يابوس الحدودية، وقد أكدوا أن تصرف عناصر الأمن العام السوري مع العابرين إلى سوريا وعرقلة دخولهم ليسا جديدين، لكن هذه المرة جرت الأمور بطريقة جديدة وغير متوقعة.
فالسيدة السبعينية أم وليد، تقصد سوريا يومياً منذ ثلاثين عاماً بهدف التجارة بالأدوات المنزلية والثياب ما بين البلدين. صرخت في وجه عنصر الأمن السوري عندما سألها عن انتمائها السياسي: «أنا منّي مع حدا يا ابني». نظر الى هويتها مرة ثانية لمعرفتها من أي منطقة. رد عليها: «حتى أسمح لك بالدخول الى سوريا يجب أن تأتيني بورقة من(..)» (أحد أقطاب المعارضة في منطقتها البقاعية). أثار جوابه جنونها بعد طول انتظار. كانت الساعة تقارب الواحدة والنصف تقول «صرلي من الساعة خمسة ونص ناطرة ليقلي أنا مع مين؟ بآخر هالعمر بدن إتحزّب بالقوة».
لا تختلف حال سهام الآتية من منطقة عاليه، هي وأطفالها الثلاثة، عن حال جميع من ينتظر أمام مبنى الأمن العام السوري وفي استراحة السوق الحرة. فقد حان دورها لتسمع السؤال ذاته، الذي أجابت عنه: «أنا مع وئام وهاب». رد عليها «منيح»، لكنه طلب منها ورقة أو بطاقة تؤكد أنها مع المعارضة. ولسوء حظ سهام، هي ليست منتسبة إلى حزب وهاب ليسمح لها بالعبور. وبعدما فشلت في مقابلة الضابط المناوب بحجة أنه مشغول جداً، عادت أدراجها لتنتظر سيارة تقلّها بعدما تركها السائق ودخل سوريا، فالركاب الباقون معه سوريون.
أمّا ع. ح.، الذي انتظر ست ساعات مستهلكاً أعصابه وعشرات فناجين القهوة، فلم يكن يحمل هاتفه ليحالفه الحظ كما حصل مع زميله ن. الذي وجد على هاتفه النقال ما يثبت انتسابه إلى المعارضة، وهو عبارة عن صورة لأحد زعمائها ومقتطفات من خطبه. جواب عدم دخول ع. ح. لم يسمعه من العنصر، بل استطاع أن يدخل الى الضابط محتجّاً على تصرف العناصر، لكنّه فوجئ بجواب الضابط بكلمات محددة: «من يرد من اللبنانيين الدخول إلى سوريا فيجب أن يكون مع سوريا.. والمعارضة مع سوريا.. لذلك نريد إثباتا بأنك من أحزاب المعارضة ولست عميلاً».
أمّا سهيل، فيكفر بما آلت إليه الأوضاع السياسية في لبنان وانعكاسها على العلاقة اللبنانية ــــــ السورية. وبعدما سمع عن شروط الدخول إلى الشام من الذين دخلوا وعادوا، فشل في محاولاته الحثيثة سحب هويته وعدم إكمال مسيرته، الأمر الذي أوجد له خلافاً لم يكن يتوقعه. فبعدما نفد صبره من الانتظار، وبعد محاولته استرداد هويته المحتجزة لدى «الأشقاء السوريين»، خرج عليه أحد العناصر الأمنيين موجّهاً إليه تهمة انتمائه الى أحد أحزاب الأكثرية قائلاً له: «تريد هويتك لأنك مع السنيورة؟»، جرّه إلى الضابط موقوفاً. وبعدما شرح للأخير أسباب رغبته في عدم إكمال رحلته، وأهمّها أنه ينتظر منذ سبع ساعات، وجّه سهيل انتقاداته إلى المعارضة والموالاة في لبنان، فأطلق الضابط سراحه بعدما أعاد إليه بطاقة هويته، لكن من دون السماح له بالمتابعة إلى ما كان يقصده.
السائقون المواظبون على نقل الركاب يومياً بين لبنان وسوريا لم يكونوا أفضل حالاً. فقد ذكر عدد منهم لـ«الأخبار» أن أحد ضباط الأمن العام السوري استدعاهم وطلب منهم ألا يحاولوا العبور قبل أن يأتي كل منهم ببطاقات انتساب، أو ورقة، تؤكّد ولاءه للمعارضة.
السائق ع. ع. استغرب الأمر، مشيراً إلى أنه «تعقيدات»، متسائلاً: هل خفّت شعبية المعارضة حتى تعمل السلطات السورية على تحفيز اللبنانيين للانتساب إليها؟ أعمل عـلى الطريق بين لبنان وسوريا منذ 15 عاماً، وأعرف سوريا أكثر من لبنان، فلماذا هذا الإجراء اليوم. وتابع شارحاً: «لم أعبر الحدود منذ يومين. قطعوا أرزاقنا. السائق السوري يملأ سيارته ركاباً ويتوجه إلى الحدود فيما السائقون اللبنانيون خائفون من التوجه إلى الحدود ومنعهم من الدخول».

السياسة على الخطين: إقفال الحدود؟

هذه الأزمة المستجدّة لم يعانِها من حاول الدخول إلى سوريا فقط، بل طالت أمس الخارجين منها. فقد اشتكى عدد كبير منهم من وضعهم أمام تساؤلات عن انتمائهم السياسي، مما زاد من الازدحام الخانق الذي تأفّف منه كل من عبر الحدود ذهاباً وإياباً.
إضافة إلى ذلك، وبعدما بثّت إحدى شاشات التلفزة خبراً عن أزمة العبور، لوحظ تراجع كبير في عدد اللبنانيين المنتقلين من سوريا وإليها، بشكل لم تشهده نقطة المصنع من قبل. حتى ظن عدد من المواطنين الذين يقطنون في المنطقة المحيطة بنقطة المصنع أن الطريق الدولية مقطوعة.
وبحسب ما ذكر مصدر من الأمن العام اللبناني لـ«الأخبار» فإن عدد العابرين إلى سوريا لم يتجاوز 1000 خلال يومين، فيما كان المعبر يشهد مرور نحو عشرة آلاف يومياً.
وقد انسحبت هذه الأزمة على عبور شاحنات النقل الخارجي، التي امتدت في طابور طويل من ساحة الجمارك اللبنانية حتى مشارف الحدود السورية، ولم ينتقل من لبنان إلى سوريا أكثر من 3 شاحنات طوال يوم أمس، فيما بقي مرور الشاحنات من سوريا إلى لبنان على وتيرته العادية. ومساء أمس، ذكر عدد من سائقي الشاحنات لـ«الأخبار» أن ضابطاً من الأمن العام السوري جمعهم على الحدود وقال لهم: «اذهبوا وشاهدوا «خليك بالبيت» و«كلام الناس» وعندما تعلمون أن الحدود فُتِحت عودوا إلى هنا».
وقد رأى السائقون أن كلام الضابط بمثابة إعلان بأن السلطات السورية أقفلت معبر المصنع.