strong>حسن عليق
دخل ضابط استخبارات إسرائيلي لبنان عبر الحدود الجنوبية، وتوجه إلى مدينة صيدا حيث جهّز عبوة ناسفة استهدفت الأخوين نضال ومحمود المجذوب منتصف 2006.
وبعد أقل من 24 ساعة على دخوله، خرج بحراً من جبيل حيث لاقته قوة إسرائيلية.
هذا بعض ما كشفه قرار قضائي صدر أمس في قضية اغتيال الأخوين مجذوب

كشف القرار الظني الذي صدر أمس، في قضية التفجير الذي استهدف في صيدا يوم 26/5/2006 القياديين في حركة الجهاد الإسلامي الأخوين محمود ونضال المجذوب، أن ضباطاً من الاستخبارات الإسرائيلية كانوا يدخلون لبنان ويتجولون في عدد من المناطق ويقومون مع عملاء لهم بتنفيذ بعض العمليات، قبل أن يغادروا لبنان. فقد أشار القرار الصادر عن قاضي التحقيق العسكري عدنان بلبل إلى أن ضابطاً إسرائيلياً تسلل عبر الحدود الجنوبية والتقى بالمتهم محمود رافع الذي نقله إلى مدينة صيدا، حيث تمكن الضابط، بمعاونة رافع والمتهم حسين خطّاب، من تجهيز العبوة التي استهدفت الأخوين مجذوب، وأدّت إلى اسشهادهما. ويشير القرار إلى أن الضابط الإسرائيلي، بعد تنفيذ العملية، انتقل إلى شاطئ مدينة جبيل، حيث أتت قوة كوماندوس إسرائيلية وأخذته من المكان.

تجنيد رافع وخطّاب

ذكر القرار الظني أن محمود رافع، وهو رقيب متقاعد من قوى الأمن الداخلي، كان مقيماً في بلدته حاصبيا حتى عام 1996، حين انتقل للسكن في مدينة عاليه، ليعود إلى بلدته الأم بعد التحرير في عام 2000. بين عامي 1992 و1993، وبسبب تنقله بين مركز عمله في المناطق المحررة وبلدته عبر معبر كفرتبنيت، تعرف إلى ضابط من الاستخبارات الإسرائيلية عرض عليه فكرة التعامل مع إسرائيل. وخلال فترة شهرين قَبِلَ رافع العرض، فنُقِلَ إثرها إلى فندق في مستعمرة كريات شمونة، حيث التقى مجموعة من ضباط الاستخبارات. وخلال عدة زيارات لاحقة إلى الأراضي المحتلة، خضع رافع لتدريبات على استعمال أجهزة اتصالات مكنته من تفكيك شيفرة رسائل تلقاها عبر الراديو، ثم أعطوه هاتفاً خلوياً مبرمجاً، وأجهزة التقاط وإرسال متطورة مخبأة في طاولة وضعها في غرفة نومه، وكان ينقلها معه أثناء تغيير مسكنه، وزوّدوه إخراجات قيد ورخص قيادة سيارات مزورة. وذكر القرار أن ضباطاً إسرائيليين كانوا يحضرون إلى لبنان ليشتركوا مع رافع في تنفيذ ما يكلف به من أعمال إراهبية.
وأشار القرار إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كلفت رافع خلال عام 1993 تجنيد عملاء محليين. ومن خلال عمله في قوى الأمن الداخلي في صيدا، كان قد تعرف إلى الفلسطيني حسين خطّاب الذي كان يقيم في محلة الفوار في محيط مخيم عين الحلوة. وبعد تجنيده، نُقِل إلى إسرائيل لتدريبه، من طريق البحر انطلاقاً من محيط مسبح الأوراس في محلة الجية.

اغتيال الأخوين مجذوب

وبغية اغتيال الأخوين مجذوب، كلّف الإسرائيليون أحد عملائهم شراء سيارة مرسيدس 280 فضية اللون، بعدما زودوا عميلهم ببيان قيد إفرادي مزور يحمل اسم اللبناني مارون ميشال كرم، الذي لم يتوصل التحقيق إلى معرفة هويته الحقيقية. بعد شراء السيارة، أوقفها «مارون» في مرأب مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يوم 22/3/2006، قبل أن يتصل الضابط الإسرائيلي جورج برافع ويطلب منه أخذ السيارة، بعدما أبلغه أن مفتاحها وأوراقها في داخلها. وطلب جورج من رافع نقل السيارة إلى مرأب مقفل في محلة غاليري سمعان (موقف غالاكسي). وبعدما تبين أن هذا الأمر سيكلف الكثير من المال، قرر رافع نقل سيارة المرسيدس إلى منزله في حاصبيا، واستخدمها مرة واحدة في البلدة، في حين أنه أبلغ الإسرائيليين أنه أوقف السيارة في مرأب في الحمرا.
ولاحقاً، انتقل رافع بناءً على تكليف الضابط الإسرائيلي ناتان إلى صيدا، حيث قابل حسين خطّاب الذي عرّفه إلى منزل الأخوين مجذوب ومحيطه، ثم سلّمه السيارة.
يوم 25/5/2006، طلب ناتان من رافع تأمين سيارة «فان» مقفلة بغية نقل أغراض بها من الحدود الجنوبية، (أقام حزب الله في ذلك اليوم احتفالاً بذكرى التحرير في مدينة صور) وطلب منه الوصول منطقة تل النحاس (قريبة من الحدود الجنوبية) عند العاشرة ليلاً. في الموعد المحدد، طلب ناتان من رافع التقدم باتجاه بلدة كفركلا، وكان يرشده إلى الطريق. قرب بلدة العديسة، طلب ناتان من رافع التوقف، فوصل الضابط الإسرائيلي جورج وزميله فؤاد من الأراضي المحتلة، وكان أحدهما يحمل باب سيارة مرسيدس فضي اللون مغلّف بالنايلون، فيما كان الثاني يحمل حقيبتين. وضعت الأغراض داخل صندوق السيارة، وبقي جورج مع رافع، ثم طلب ناتان من الأخير التوجه بالسيارة إلى منطقة شرحبيل في صيدا. وصلا إلى شرحبيل بعيد منتصف الليل، وكان حسين خطّاب بانتظارهما، ومعه سيارة المرسيدس. أنزل جورج الباب وحقائب العدة من سيارة الفان، وفكّك، بمساعدة خطّاب، الباب الخلفي الأيمن للسيارة وركّب مكانه الباب الجديد الذي كان يحوي عبوة ناسفة. ثم زرع في المرسيدس جهازاً لالتقاط الصور وإرسالها إلى جهاز المراقبة الذي ركّباه في الفان. بعدها، أوقف خطّاب وجورج المرسيدس المجهّزة أمام مدخل المبنى الذي يسكن فيه الأخوان مجذوب، وعند الساعة 10:15 من صباح 26/5/2006 خرج محمود ونضال المجذوب من بوابة المبنى، فدوّى الانفجار الذي أدى إلى استشهادهما.
بعد الانفجار، انطلق جورج وخطّاب ورافع بسيارة الفان صعوداً، بعدما أمرهم ناتان بعدم سلوك الطريق الساحلية تحسباً لحصول مراقبة عند حواجز الجيش. نزل خطّاب من الفان، فيما تابع الآخران سيرهما ومرا في بلدات أنان بسري ـــــ مزبود ـــــ دلهون ـــــ برجا ـــــ الجيه وصولاً إلى الشويفات، حيث كان رافع قد أوقف سيارته الرانج روفر قرب منزل شقيقه. في المكان المذكور، نقل جورج ورافع الأغراض من سيارة الفان إلى سيارة رافع، وتوجها إلى مطعم الجزيرة على شاطئ جونية، ومن ثم إلى الصفرا. وعند الساعة 22:00، انطلقا إلى شاطئ البحر في جبيل، حيث وصلت قوة كوماندوس إسرائيلية نقلت معها جورج والأغراض التي استعملت في التفجير، بعدما سَلّم الضابط الإسرائيلي محمود رافع أغراضاً ومبلغاً من المال، إضافة إلى محفظة سلّمها رافع إلى خطّاب يوم 5/6/2006 في النبطية.
بعد بدء التحقيق بالجريمة، توصلت مديرية الاستخبارات في الجيش إلى توقيف محمود رافع في بلدة حاصبيا يوم 7/6/2006، بعدما توافرت معلومات عن مشاهدته وهو يقود سيارة مرسيدس تشبه تلك المستخدمة في التفجير. وبتفتيش منزله عثر على أجهزة الاتصال المخبأة. أما حسين خطّاب، فلا يزال فاراً من وجه العدالة.
وقد طلب القاضي عدنان بلبل محاكمة المتهمَين أمام المحكمة العسكرية بناءً على مواد تصل عقوبتها إلى الإعدام.