نعمت بدر الدين
يبدو أن المبادرة العربية التي يحاول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إرساء آلياتها على أرض الواقع اللبناني الهشة، هي الفرصة العربية الأخيرة للبنان واللبنانيين وفقاً لمصادر سياسية ودبلوماسية مواكبة لزيارة الأمين العام، التي ترى أن الغموض لا يزال يكتنف المرحلة، وأن لا أحد يملك معطيات شافية حتى موسى نفسه، وأن المداولات تنحصرعلى أعلى المستويات بين 4 أو 5 أشخاص، ولن يتضح شيء قبل أن ينهي موسى زيارته، وأن الوضع لا يحتمل المزيد من الضغوط. وحمّلت المصادر الساسة اللبنانيين مسؤولية فشل المبادرات السابقة حتى لو كان الممسكون بخيوطهم خارج الحدود.
ورأت مصادرعربية أن الجهود الفرنسية التي توزّعت بين قصر الإليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية وبإشراف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شخصياً، لم تخرج، رغم استنادها إلى الدعم الدولي، ولا بنتيجة، لا بسبب غياب الإرادة السياسية اللبنانية بل كذلك بسبب العراقيل السورية والسعودية، غير أن اجتماع القاهرة أعاد التفاؤل إلى موسى لأنه خلص الى توافق وتسهيل عربيين، رابطةً نجاح مهمة موسى بالإرادة السياسية اللبنانية حصراً وعدم الانصياع لإرادات الخارج. وعبّرت هذه المصادرعن قلقها من جولات تفسير المبادرة التي يخوضها الأفرقاء، مؤكدة أن أياً من صيغ توزيع الحصص في الحكومة العتيدة لم يبحث في القاهرة على الإطلاق.
وبحسب هذه المصادر، فإن المبادرة واضحة جداً، تتناول بنوداً محدّدة، وتساءلت عن العقبات الحقيقية ما دام اللبنانيون قد توافقوا على العماد ميشال سليمان رئيساً، مما يعني أن الجهد الحالي يتركّز على المسائل الباقية بما فيها تأليف الحكومة. وحذّرت من مغبّة تضييع فرصة المبادرة، نافيةً وجود أي خلاف عربي (ظاهر على الأقل) عليها، وخصوصاً في ظل التفاهم السعودي السوري. وذكّرت بالمواقف التي صدرت عن بري والحريري، التي وصفت المبادرة بأنها «تاريخية»، «فالمبادرة فرصة أخيرة، ولا مجال لتسجيل نقطة جديدة في مرمى الخصم، وتحميله مسؤولية الفشل، فالوضع لا يحتمل «خضة فشل»، وخاصة أن ما طلبه اللبنانييون من توافق ودعم عربيين قد تحقق». وتساءلت المصادر عمّا إذا كان اللبنانيون يريدون من العرب تجاوز حدود وضع الإطار العام للاتفاق والدخول في التفاصيل مثل تسمية الوزراء، ومخالفة مبدأ احترام سيادة الدول الأعضاء، مضيفةً بتهكّم: «هل يطالبوننا يوماً بتعيين مخاتيرهم؟». وبحسب هذه المصادر، فإن إعطاء القدرة الترجيحية في مجلس الوزراء لرئيس الجمهورية لا يمثّل انقلاباً على الطائف، بل هو أمر عرفته الحكومة الحالية نفسها عند تأليفها، إذ كانت حصة رئيس الجمهورية السابق إميل لحود هي المرجّحة قبل انقلاب من اختارهم عليه.
وختمت المصادر كلامها بالقول إن تقويم زيارة عمرو موسى لا يقاس بتفاصيل حركته بل بنتائجها، ذلك أن المبادرة التي يحملها هي رزمة واحدة. وأضافت أن ليس أمام من يتهم سوريا بالعرقلة إلّا التصرف إيجاباً مع المبادرة العربية، وترك الباقي على الجهد العربي، فمن يعرقل ينكشف حينئذ.
ومع ذلك، لا تستبعد دوائر دبلوماسية أن يحاول بعضهم إفشال المبادرة أملاً باستصدار قرار دولي لوّحت به فرنسا قبل أن تعود وتتراجع عنه.