جان عزيز
ما سرّ هذا التصلّب الغريب في موقف فريق الموالاة؟ وما الذي يفسّر هذه القدرة على رفض أي حل أو تسوية، ولو لقاء مقعد وزاري واحد، وفق آخر الصيغ المتباينة المطروحة؟
مصدر سياسي مواكب بدقّة للاتّصالات الأخيرة، يؤكد أن خلف هذا الأداء المستغرب لفريق السلطة، أكثر من مجرد عنفوان شخصي مستجد، وأكثر من مجرد إعادة «شدشدة» أميركية على خط المختارة. ويشرح المصدر نفسه أنّ خلف تعنّت فريق الموالاة، اعتقاداً راسخاً لديه، كما لدى رعاته الدوليين، بوجود فرصة جدية لفرض حل لبناني على قاعدة غالب ومغلوب، وذلك عبر كسر حلقة واحدة، اسمها ميشال عون.
ويفصّل المصدر أن هذا الاعتقاد منبثق فعلياً مما انتهى إليه الاجتماع الخماسي في منزل عمرو موسى في القاهرة يوم السبت الماضي. ففي محصّلة ذلك اللقاء، بدا الموقف السوري متجاوباً مع المسعى العربي، ومؤيّداً بحماسة لافتة لتسهيل المبادرة. وفي هذا السياق تلقّى فريق الموالاة معلومات عن اجتماع السبت مفادها، أن الثنائي المصري ــ السعودي طلب من دمشق نوعاً من إثبات حسن النيّات حيال الخطوة العربية. وهو ما مثّل مدخلاً للبحث التفصيلي، كالآتي: في بيروت ثمّة أطراف أربعة يمثّلون معاً سلسلة الممانعة الصلبة للمعارضة اللبنانية. وهم: نبيه بري، حسن نصر الله، سليمان فرنجية وميشال عون. وبالتالي، فإن تأكيد الموقف السوري الإيجابي يعني ترجمة ذلك بالضغط على الأطراف الأربعة، لتبديل مواقفهم، وتسيير المبادرة وفق الصياغة الغامضة لبنودها، التي تسمح عند التنفيذ بترجيح فهم الموالاة لها.
ويتابع المصدر نفسه، يبدو أن المعلومات التي وصلت إلى السلطة في بيروت، تشير إلى جواب سوري أعطي في القاهرة على الشكل الآتي: بين الأفرقاء الأربعة، ثمة اسم واحد تقدر دمشق على التفاهم الكلي معه، هو فرنجية. وهناك طرفان قدرتها على التفاهم معهما جزئية هما بري ونصر الله، ويبقى طرف أخير يدرك الجميع أن القدرة السورية على أي تفاهم معه، معدومة كلياً، وهو ميشال عون. وتفيد معلومات الموالاة نفسها، أن سوريا أكدت في القاهرة استعدادها الكامل لبذل أقصى جهودها، في إطار التصنيف الرباعي المذكور.
عند هذا الحد، يقول المصدر المتابع، يبدو أن هامش التحليل والاستنتاج فُتح على مصراعيه، لدى فريق الموالاة ورعاته.
ويبدو أنّ هذا الهامش خلص إلى قراءة خاصة بهذا الفريق لخلفيات الموقف السوري السعودي، مفادها الآتي: تحاول دمشق أن توحي، عبر الأزمة اللبنانية، وبواسطة المبادرة العربية، إلى واشنطن مباشرة، بأن لديها مستويين من البحث للاتفاق، المستوى الأول مقتصر على ضبط الوضع اللبناني في حدود فوضاه الحالية المقبولة وشبه المحتملة، وهذا المستوى، سبق لدمشق أن أدّت قسطها في عملية استيعابه، عبر إحجام إميل لحود عن القيام بأي خطوة تصعيدية قبل نهاية ولايته، كما عبر إعادة التموضع اللافت لقائد الجيش ميشال سليمان، من صف نظام الوصاية السابق، الى الحياد السلبي بعد انسحاب السوريين، وصولاً إلى «الحياد الإيجابي» جداً اليوم. وعلى هذا المستوى، بدا أن دمشق تحاول إفهام واشنطن، أن لا مشكلة لديها في الاستمرار في هذا الوضع، ولو من دون تواصل سوري ــ أميركي مباشر. إذ تكفيه علب البريد الأوروبية والغربية، وخصوصاً أن لا «حوافز» أميركية لسوريا، في إطار هذا المستوى بالذات، فلا حديث عن سلام المنطقة ولا عن العراق ولا عن المحكمة الدولية ولا عن دور دمشق في المنطقة، مما يمثّل سلّة البنود الخلافية الأساسية بين سوريا وأميركا.
لكن ثمّة مستوى ثانٍ، استنتج فريق الموالاة أن دمشق أوحت به إلى واشنطن عبر القاهرة، وهو مستوى الحل الجذري، بدل إدارة الأزمة. وعلى هذا المستوى تصبح كل المقاربة مختلفة، فإذا وافق الأميركيون على مفاوضة السوريين بشأن السلة الكاملة، يصير ممكناً ربّما البحث مع دمشق جدياً في تعديل تصنيفها للسلسلة الرباعية للمعارضة اللبنانية، وبالتالي، تبديل قدرة دمشق على «التعامل» مع مكوّناتها.
ماذا يعني هذا التحليل في أذهان السلطة عملياً؟ المعادلة واضحة: إذا طلبنا من واشنطن بعض التساهل مع دمشق، يمكن حينذاك أن تطلب أميركا من سوريا ضرب الحلقة التي نرى أنها الأضعف في سلسلة الممانعة اللبنانية، وبالتالي، فالفرصة ممكنة نظرياً. إذا أقنعنا الأميركيين بأن مقاربة كهذه ستؤدّي تدريجياً إلى كسر الجسر السوري الإيراني، يمكننا بالتالي إقناعهم بأن تكون الخطوة الأولى طلباً أميركياً من سوريا بضرب ميشال عون. بعدئذ تكرّ سبحة السلسلة وينفرط عقد المعارضة اللبنانية، ويدخل لبنان ومحيطه في نفق المصلحة الأميركية وتصوّرها للمنطقة.
عند هذا الحد عاد الموقف الموالي الى التصلّب، بناءً على أمل موعود بحل غالب ومغلوب. فرُفض التفاوض ورفض اللقاء، وحتى رُفض تسهيل مهمة عمرو موسى في صيغتها المتوازنة.
هل تصحّ تلك القراءة؟ يجيب المصدر السياسي نفسه بأن حظوظها معدومة كلياً. ذلك أنها تستند الى فهم خاطئ لظروف المواقف الثلاثية، الأميركي والسوري واللبناني المعارض، والنتيجة تطيير الموالاة للفرصة العربية مجاناً.