القاهرة ــ غسان سعود
في مصر، تُسمى مبادرة وزراء الخارجية العرب الأخيرة «مبادرة عمرو موسى». ويرى المصريون أن الملف الذي يحمله وزير خارجيتهم الأسبق يجعلهم شركاء فعليين في الحل اللبناني، ويمكّنهم من أداء دور مباشر غابوا عنه أكثر من ثلاثة عقود.
وفي مختلف الدوائر المصريّة، تتردد الحماسة نفسها في الكلام عن المبادرة التي تُشعر أحفاد الفراعنة بأنهم مؤتمنون على تجنيب اللبنانيين الحرب الأهلية، وإمرار الحل رغم العقبات. مصحوبين بهذه الغيرة، ينتقل المصريون ليصروا على ضرورة عدم تسرع اللبنانيين في دفن هذه المبادرة، وإعطائها فرصة حقيقية بدل تضييع الوقت بالخطابة الخادعة والهادفة إلى تفشيل المبادرة في نهاية الأمر، مستغربين الحماسة البيروتية للنعي، التي سيلحقها، كالعادة، نداء استغاثة آخر.
يقول الخبير المصري محمد السيد سعيد إن الدبلوماسية المصرية والرئيس المصري حسني مبارك يمشيان وراء موسى في المسعى اللبناني، ورغم ضيق مبارك بالسوريين وكلامه عن عنادهم وإصرارهم على عرقلة الحلول اللبنانية، قبل بذهاب الأمين العام للدول العربية إلى حيث يريد في هذا الملف، وفبركة شتى العبارات بغية جمع اللبنانيين. إلا أن النتائج لا تبدو مشجّعة حتى الساعة. علماً أن المصريين بحسب السيّد لا يستطيبون استقواء الأكثرية النيابية بالأميركيين، ولا يوافقون عليه. وهم يؤيدون التنازل لحزب الله عن بعض حقوق الأكثرية، لكنهم متمسكون برفض إعطائه الثلث المعطل وفرصة شلِّ الدولة، كما يحصل اليوم.
بدوره، يرى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في صحيفة «الأهرام» عبد المنعم سعيد أن الحل يتخطى دبلوماسية موسى وبراعته، ويتخطى آمال اللبنانيين أيضاً ويتصل مباشرة بالموقف السوري الذي ينظر إلى الملف اللبناني من زاوية المحكمة الدولية، وحق دمشق باستعادة الجولان والدور السوري في المنطقة. ويشير سعيد إلى ثقته الكبيرة بموسى «صاحب الكاريزما الإيجابية»، الذي عرف كيف يصوغ بيان وزارء الخارجية العرب الأخير. لافتاً في الوقت نفسه إلى أن تأثير موسى وخبرته الكبيرة قد يلامسان الصفر إذا لم تغير الدول المعنية بالملف اللبناني، وخصوصاً سوريا، موقفها.
وعلى صعيد الدور المصري في تزكية ترشيح العماد ميشال سليمان، ينقل السيّد عن مبارك تفضيله العسكريين وعدم ارتياحه للعقائديين. من هنا، كان اهتمام مصر بسليمان غير المنضوي تحت أحلاف الاستخبارات العربيّة. فيما يرى سعيد أن الأداء المصري في الملف اللبناني يتكامل يوماً بعد يوم، ويمكن بعد تأمين الإجماع على ترشح سليمان، «انتظار مفاجآت إيجابية».
من جهة أخرى، يبدو لافتاً أن المساحة المعطاة لانتهاء زيارة موسى إلى بيروت في معظم الصحف المصريّة لم تتعد بضعة أسطر، خصصت في معظمها لنقل مقتطفات من مؤتمر موسى الصحافي. فيما تجنّبت معظم الصحف الدخول في «الفوضى اللبنانيّة»، أو تحليل ما وصلت اليه الأمور.
ويشدّد معظم المتابعين على أن الكلام في هذا الموضوع أو تقويم نتائج الزيارة إلى لبنان سيُعدّان مضيعة للوقت، قبل زيارة موسى لدمشق وبحث التفاصيل مع القيادة السورية، وخصوصاً أن النتيجة الوحيدة للزيارة الأخيرة كما يوجزها أكثر من صحافي مصري هي التأكيد أن القرار ليس في يد اللبنانيين، وأن المفاتيح المستعارة لن تنفع مع القفل السوري الصدئ.
علماً أن تجنّب السياسيين المصريين والصحافة التعليق على التطورات اللبنانية لا يمنع الانشغال الشعبي المصري بأحداث وطن الأرز، ويكاد لا يخلو حديث مصري من استعراض سريع لما بلغته الأزمة اللبنانية. ويرد بعض هؤلاء اهتمامهم بالقضية اللبنانية إلى شعورهم بأن لبنان بتشعباته السياسية يمثّل نقيضاً للحياة السياسية المصريّة، وتجربة يحبّذ النظام المصري إشعار الشعب بخطورتها. فبصحبة القلق الدائم من احتمال اندلاع حرب في لبنان، لا أحد في أوساط الشعب المصري يفهم احتمال استمرار دولة شهرين بلا رئيس، أو قدرة المعارضة على الوصول إلى السلطة.