طارق ترشيشي
فوجئ الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أثناء وجوده في بيروت بأن المعارضة تعرف «الخمير والفطير والمقمط في السرير» عن المبادرة التي جاء لتسويقها، إلّا أنه خلص إلى القول لبعض المقربين منه في ختام زيارته إن أحد اللقاءات المهمة التي عقدها «كان كارثة سياسية على ما كلفنا به».
والمبادرة التي أوحت في الشكل أن هناك «إرادة عربية جازمة» هذه المرة لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة، لم تكن كذلك في المضمون. وكان آخر ما تفتحت به قريحة موسى في نهاية لقائه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اقتراح أن تكون تشكيلة الحكومة الجديدة على قاعدة 13 وزيراً للموالاة وعشرة وزراء للمعارضة وسبعة وزراء لرئيس الجمهورية على رغم إدراكه المسبّق أن المعارضة لن تقبل بها، وأن الموالاة لن تقبل بأن يكون للمعارضة «الثلث الضامن».
وفي ضوء اصطدامه، أو بالأحرى فشله في تسويق المبادرة التي خلت من أي توازن وجاءت تكراراً ممجوجاً للمبادرات العربية والأجنبية السابقة، وجد موسى ضالته باقتراح تقدّم به من رئيس مجلس النواب نبيه بري يدعو إلى طاولة حوار جديدة بين أركان الموالاة والمعارضة في ساحة النجمة، ملوّحاً بأن «الوضع خطير»، الأمر الذي وجدت فيه المعارضة «تهبيط حيطان» في وجهها لأن الواقع ليس بالخطورة الموصوفة في ضوء التراجع المطّرد في فصول المشروع الأميركي في المنطقة.
لذا، فإنّ برّي، ومن خلفه المعارضة، لم يحبّذا العودة إلى طاولة حوار جديدة، لأنّه أدرك أن هذا الحوار مطلب أكثري سعى موسى إلى تسويقه للمّ شمل قوى 14 آذار وتمكينها من فرض من يفاوض عن المعارضة، لأنها امتنعت عن التفاوض مع العماد ميشال عون، وبالتالي، فإن المعارضة إذا وافقت على طاولة الحوار تكون قد ألغت التفويض الذي أعطته لعون. كذلك، فإن الموالاة تريد من طاولة الحوار الخروج من حال الإرباك التي تسودها بشأن من يفاوض عنها، وقد تجلّت من خلال الآتي:
أولاً ـــــ اتخاذ الرئيس أمين الجميل موقفين استراتيجيين من دون الرجوع إلى حلفائه، وهما طلبه تعديل اتفاق الطائف، وتأليف الحكومة الحيادية أخذاً بتجربة الرئيس الراحل إلياس سركيس.
ثانياً ـــــ مواقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط التي توحي أنه يفتش عن سبل تأمين بقائه في السياسة لا في الأمن.
ثالثاً ــــ مواقف النائبين بطرس حرب ونايلة معوض والنائب السابق نسيب لحود التي تدل على أنهم في الشكل والمضمون باتوا خارج فريق 14 آذار.
رابعاً ــــ مواقف رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أكد في مناسبتين منفصلتين أنه هو الذي منع حصول اللقاء بين رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري والعماد عون، ورفضه انتخاب النائب روبير غانم رئيساً للجمهورية.
لذا، فإن مواقف كل هؤلاء «الأكثريين» تعني أن الحريري خسر ورقة التفويض العام من فريق 14 آذار للتفاوض مع المعارضة، وفي هذه الحال إذا عادت طاولت الحوار فإنها تؤمّن حضور كل أركان 14 آذار وتمنع الحريري من الاستئثار بالتفاوض عنهم.
وفي هذا السياق، يعتقد السياسيون أن طاولة الحوار إذا عادت مجدداً فإنها ستعيد النقاش الى 2 آذار 2006 عندما عُقدت طاولة الحوار الأولى وانتهت بحرب تموز 2006. وفي هذه الحال، تخاف المعارضة أن تكون الدعوة إلى الحوار تقطيعاً للوقت واستنزافاً للمقاومة بالنقاش حول سلاحها وحصارها اللوجستي من جديد.
ويقول قطب معارض إن المعارضة تعرف جيداً أهداف المبادرة العربية والحوار الجديد المطلوب، وهذا ما ظهر في اللقاء الذي عُقد بين السيد نصر الله وموسى. ففي بدايته أبلغ نصر الله إلى موسى أنه إذا كان الهدف من هذا اللقاء البحث في موقف المعارضة وحزب الله من المبادرة العربية وغيرها، فإن العناوين الأساسية «مكلف العماد عون التفاوض بها ولا شأن لي بذلك، وفي بعض التفاصيل الجزئية والأسئلة الاستيضاحية، فإن معاوني السياسي الحاج حسين خليل هو المكلف الرد عليها وتستطيع أن تسأله! فرد موسى: «حتى في حضورك؟» فقال: «حتى في حضوري وأنا أستمع».
وقد جرى نقاش بين موسى وخليل لمدة نصف ساعة في حضور نصر الله، الذي تحدث إثر ذلك عن الوضع في المنطقة ورأيه في مؤتمر القمة العربي المقبل وتوطين الفلسطينيين ونتائج مؤتمر أنابوليس... وعندما سأل موسى نصر الله: «ما هو موقفكم النهائي إذاً؟»، قال: ستسمعه إن شاء الله في خطبة عاشوراء غداً (مساء يوم الجمعة الماضي).
وقد انفضّ اللقاء، فأعرب موسى لمساعديه عند خروجه عن أن «مهمتنا قد انتهت إلى الفشل». وفي ضوء ذلك، اتخذ قراره بمغادرة بيروت لاقتناعه بأن المعارضة لن تتنازل عن «السلة الواحدة» للحل.