حاوره ثائر غندور

لا يقرأ أمين سرّ تكتل الإصلاح والتغيير النائب إبراهيم كنعان الواقع السياسي اللبناني من دون أن يحلّل الوقائع الإقليميّة. وهو مؤمن بأن ما يقوم به تيّاره السياسي سينقل الوطن إلى مشروع الدولة المفقودة منذ تأسس الكيان، وأن المسيحيين ينطلقون من ولائهم للمشاريع الغربية نحو الولاء للبنان المشرقي العربي. يدفعك حديثه الى اليأس حيناً وإلى الأمل بأفق جديد حيناً آخر

• كيف تقرأون فشل المبادرة العربيّة؟
- قبل أي موقف سياسي علينا أن نقرأ المعادلة الشرق الأوسطيّة ونحدّد موقعنا منها، لأن كلّ من يحاول عزل لبنان عن واقع التجاذب الحاصل يتعامى عن الحقيقة أو يغطي طرفاً إقليمياً أو دولياً. هناك لعبة محاور أساسها إيران والولايات المتّحدة تقوم على الصراع حول النفط والاقتصاد والسلطة. تمرّ علاقة المحاور في ما بينها بمراحل هدوء وتنسيق مثل فترة احتلال أفغانستان والعراق، من دون أن ننسى العمل السني، والسعوديّة هي المحرّك الأساسي له، فيما هي تراقب تبدّل المعادلة في المنطقة.
لم تستطع الطبقة السياسيّة حماية لبنان من التجاذبات الإقليميّة، إذ إن المدرسة السياسيّة اللبنانيّة التقليديّة قائمة على تقاسم النفوذ الداخلي دون رؤيا استراتيجيّة لدور لبنان في المنطقة، وهكذا تحصل تغذية التناقض الداخلي ليتحوّل لبنان إلى معترك لتصفية الحسابات.
من هذه الزاوية، جاءت تركيبة الطائف لتحتاج دائماً إلى دور خارجي قام به النظام السوري الذي كان ضابط إيقاع النظام السياسي والخصم والحكم.
خلال هذه الظروف كانت هناك فرصتان أمام لبنان لتحييد ملفه الداخلي عن التشابك الإقليمي: الأولى مع العماد ميشال عون في 1988 من خلال الجيش وأجهضت هذه المحاولة تحت مسمّى جميل هو اتفاق الطائف ووضع لبنان في الثلاجة بانتظار تسوية في منطقة يدفع لبنان ثمنها.
وجاءت الفرصة الثانية بعد خروج السوريين عام 2005 لنستخدمها من أجل تحديد خياراتنا الوطنيّة، التي لا يقوم بها طرف وحده، وبناء دولة تضم الجميع فلا تشعر طائفة من الطوائف بأنها مغبونة. ولكن لم يحصل حوار بيننا بُعيد خروج السوري، بل حصل تكابر، وكلّما طالبنا بحوار قالوا إننا نريد تهديد الطائف. لا يجوز أن نتلطّى وراء الطائف لمنع كل تفاهم داخلي.

• لكن الرئيس نبيه برّي عقد جلسات للحوار الوطني؟
- عقدها بعد انهيار التركيبة، إذ تأسس النظام في لبنان بعد خروج السوري على لا حوار ولا تفاهم ولا شراكة بل خلفيّة سلطويّة.

• أين موقع «التيّار» من الصراع الإقليمي؟
- التيار مع تحديد الخيارات الوطنيّة، إذ إن أكبر خطأ ترتكبه الأحزاب هو أن يُحدّد كل على انفراد موقعه الإقليمي. ولا يمكن التيّار أن يكون جزءاً من أي محور خارج لبنان. كل الأحزاب السياسيّة مارست هذا الأمر بسبب غياب الدولة القويّة ذات الخيارات الخاصة، فصارت هناك خيارات حزبية فئوية استغلّتها القوى الإقليميّة والدوليّة فتحوّل لبنان مجموعة متاريس، الحكومة متراس لفريق والمجلس النيابي متراس آخر، ولا أعرف رئاسة الجمهورية متراس لمن.

• لكنّكم متحالفون مع أحزاب لها خيارات إقليميّة؟
- متفاهمون على موضوع بناء الدولة والموضوع الداخلي.

• لكنّ المعارضة اللبنانيّة تدعم عبر حركتها السياسيّة محوراً إقليمياً؟
- في النظم الديموقراطيّة تقوم تحالفات بين المعارضة على أساس برنامج محدّد، ثم تنفصل بعد تحقيق أهدافها أو تُكمل معاً، والتحالف الرباعي نموذج. نحن كنّا في المعارضة قبل أن تصبح بعض أحزابه معارضة، إذ إن حركة «أمل» وحزب الله ساهما في إنشاء هذه السلطة، ثم حصل خلاف كبير كنّا نتوقّعه.

• لكن هناك خلافات بين المعارضة؟
- هناك شخصيّات وطنيّة محترمة في المعارضة لها أهميّتها، لكن المعارضة بشكل أساسي مؤلّفة من كتل وأحزاب. ونحن متفاهمون على ملف أساسي هو الشراكة، وعلى أن لبنان لا يمكن أن يقوم بدون تفاهم داخلي، غير أن هذا لا يمنع أن يكون ثمة اختلافات على بعض المسائل غير المحسومة.• كيف هي العلاقة مع برّي؟
- جيدة ضمن إطار التفاهم على المسلّمات الأساسيّة، لكن هو له موقع آخر، أي رئاسة مجلس النوّاب.

• ما مصير رئاسة الجمهوريّة حالياً؟
- بصراحة، للأسف أُدخل لبنان إلى مسرح الصراع الإقليمي والدولي. فبعد زيارة بوش لإسرائيل، قرأنا في الصحف الأميركيّة والإسرائيلية أن موضوع رئاسة الجمهوريّة مطروح في هذه اللقاءات. فالخلاف على الموقف من إيران وفرضية عزل إيران والتفاهم مع سوريا، عناصر تقود الى لبنان، ونحن في الداخل لا نزال غارقين في شطارات إمرار تسوياتنا ومكاسبنا عبر ألعاب تناقضاتنا.
وما دام من يمنع الاتفاق هو أدوات لبنانيّة، فإن الرئاسة مجمّدة.

• هل ستقوم المعارضة بخطوة ما لتغيير هذا الواقع؟
- لنكن واقعيين ولا نحمّل المعارضة أكثر مما تحتمل. لقد استطاعت المعارضة أن تضع التفاهم اللبناني كأساس وتفاوض عليه، لا أن يفاوضونا على حق العودة مثلاً.

• هل هذا يعني أن السوري والإيراني يتبنيان الواقع اللبناني ولا يضغطان عليكم؟
- لا أعوّل على هذا الأمر. ولا أعتقد أن السوري والإيراني يتبنيان الواقع الداخلي اللبناني، كلّنا يعرف أنهما حاولا السير بالتسوية على حساب لبنان كما كان يحصل عادة، لكنهما لم يستطيعا.

• وهل ما زال ترشيح سليمان قائماً؟
- ترشيح الموالاة للعماد سليمان كان مناورة، إذ هم يعقتدون أن المعارضة لا تريد بالعمق ضمناً عون، وترشيح سليمان يفكك المعارضة، باعتبار أن عون لن يقبل به لأنه أقوى مسيحياً. في المقابل، فإن حزب الله وحركة «أمل» والسوريين سيقبلون بسليمان. وفوجئوا بقبول ميشال عون بترشيح سليمان. فبدأوا بالالتفاف على تبنيهم لسيلمان عبر رفض الحوار مع عون.

• هل الإصلاح ممكن في الشارع؟
- نحن نحمي الدولة يومياً عبر هدوئنا وتماسكنا وصيانة الاستقرار. وآخر محاولة لضرب الاستقرار هي جرّ الجيش إلى موقع طرف في المعادلة السياسيّة، ونحن ندعو الجميع إلى اعتبار الجيش خطاً أحمر لا يجوز المس به، وخصوصاً بعد اغتيال العميد فرنسوا الحاج.

• من بتقديركم يستهدف الجيش؟
- المشروع الذي ضرب عملية التلاقي بين اللبنانيين، هو الذي يمنع الاجتماع بين الحريري وعون.

• من؟ الأميركيون، أم جهات إقليمية؟ أم أطراف لبنانيون؟...
- مجموعة من كلّ هؤلاء. لماذا يأتي موفدون ولا يزورون الرابية؟ لأننا في التيار نمشي عكس السير، عبر سياسة الربط بين اللبنانيين والحفاظ على مكوّنات الدولة، بينما التوجه المطلوب هو التصادم، وهذا الجو تتشارك فيه كل المحاور الإقليميّة.

• هل هناك ضرورة لتعديل الطائف؟
- لا شيء منزّلاً سوى التفاهم اللبناني ــــــ اللبناني. نحن مع هذا التفاهم، ومع إعادة النظر في كلّ الأمور التي تحتاج إلى إعادة نظر: السلطة التنفيذيّة، صلاحيات الرئاسة، الثلث لرئاسة الجمهورية، الذي يقول البطريرك عنه إنه ميثاقي، الفقرة ي من الدستور، كل هذه الأمور بحاجة للتوضيح، إذ إن الدستور يتغيّر وفقاً لحاجات المجتمع، لكن يجب أن لا يُفهم من هذا أننا نريد زعزعة الركائز الوطنيّة.

• ما مضمون خلافكم مع بكركيالاختلاف في الرأي لا يعني الابتعاد عن بكركي، كما أن السلطة الدينية اختلفت مع الفريق الآخر على النصف+1 وقانون الانتخاب. في العلاقة مع بكركي استطعنا الوصول إلى تكامل لكنّه دون المستوى المطلوب، وفي كل الطوائف هناك توافق بين المرجعيتين الدينيّة والسياسيّة إلّا عند المسيحيين.

• هل تؤيّد منع رجال الدين من التدخّل في الحياة السياسيّة؟
- كلمة منع ممنوعة في الحديث مع أي مرجعيّة دينيّة.

• لكنّكم علمانيون؟
- نحن في الموضوع الإداري عندنا نظرة علمانية، ونحن مع فصل الدين عن الدولة، لكننا مع الحفاظ على الطوائف اللبنانيّة كجزء من الدولة بخيارت مدنيّة وأحزاب مدنيّة. وهو مشروع يحتاج إلى الكثير من العمل.

• لكنّكم تعملون عكسه وخطابكم «مسيحي»؟
- هل تريد أن تأخذ المسيحيين إلى مشروع وطني بدون حقوق؟ نحن نركّز على حقوق المسيحيين، فهم دفعوا الثمن طوال 16 عاماً وعلى إعادة التوازن إلى النظام، وذلك بإعادة ثقة المسيحي بالدولة ومن ثم إدخال الجميع في الدولة العلمانيّة.

• هل تعدون اللبنانيين بأن هذا المشروع من أولوياتكم؟
- نعد اللبنانيين أننا رسل الجمهوريّة الثالثة: أكثر علمنة وديموقراطيّة وذات رؤيا وطنية.

• وهل يكون المجلس النيابي هو الجمعيّة التأسيسيّة؟
- لا، فالحلّ بانتخابات نيابيّة لا انتخابات رئاسيّة، طبعاً على أن لا يُفهم من هذا أننا ضد الانتخابات الرئاسيّة، بل نحن معها واليوم قبل الغد. لكننا نتحدث عن المديين المنظور والبعيد للخروج من أزمة النظام، وتحديد خيارات جديدة وفتح حوار جدي ليس قائماً على فكرة انتزاع سلطة أو تعطيل سلطة، لكن أدعو اللبنانيين إلى انتخاب خيارات لا أشخاص وأموال. ويمكن أن أختصر المدرستين السياسيتين في لبنان اليوم كالآتي: مدرسة تفاهم ومدرسة تصادم.



هو أول مرشّح من التيار الوطني الحر لانتخابات 2005، إذ أعلن الجنرال عون ترشيحه وسليم عون في شباط قبل اغتيال الرئيس الحريري. وتعود علاقته بعون إلى عام 1986. تزوّج في تشرين الأول 1988 تانيا سعادة، وقبل أن يسافرا في شهر العسل قال له عون مودّعاً: «يبدو أنّك لن تعود». وطبعاً عاد. له كريمتان ماريا (15 عاماً) وريتا (11 عاماً)