رأى فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف «أن حجز حرية جميل السيد ومصطفى حمدان وريمون عازار وعلي الحاج وأيمن طربيه ومصطفى مستو وأحمد عبد العال ومحمود عبد العال تعسفي لتعارضه مع ما تنص عليه المادتان 9 و14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعد لبنان طرفاً فيه (...)». وكان الفريق المذكور قد أنهى إعداد تقرير يوم 30 تشرين الثاني 2007 (يحمل الرقم 37/2007)، على أن ترفعه رئيسة الفريق ليلى زيرّوغي إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في دورته المقبلة، المقرر انعقادها في شهر آذار المقبل.ويشير التقرير الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه إلى أن الفريق، الذي يعد تقارير عن حالات الاحتجاز التعسفي في كل أنحاء العالم، تلقى معلومات عن توقيف الأشخاص الثمانية المذكورين أعلاه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد عرض الفريق أسئلة متعلقة بهذه المعلومات على الحكومة اللبنانية. وبعد إجابة الحكومة عن أسئلة الفريق، أعيد عرضها على مرسلي المعلومات، وبعد مقارنة ما جمعه الفريق المعني بالاعتقال التعسفي على القوانين والمعاهدات الدولية التي وقّعها لبنان، خلص التقرير إلى رأيه بأن توقيف الضباط الأربعة والأشخاص الأربعة الآخرين اعتقال تعسفي.
يسرد التقرير بدايةً كيفية توقيف الأشخاص الثمانية. قبل أن ينتقل إلى الحديث عن كل حالة على حدة، تذكر «الأخبار» أبرز ما ورد فيه:
صباح 30 آب 2005، حضر عناصر من لجنة التحقيق الدولية إلى منزل اللواء جميل السيد، وأبرزوا أمراً موقعاً من رئيس اللجنة ديتليف ميليس، يعرّف السيد بـ«مشتبه فيه». في مركز اللجنة، خضع السيد لتحقيق طويل بغياب وكيله المحامي أكرم عازوري، الذي لم يحضر إلا بناءً على طلب السيد، بعدما طلب محقق تابع للجنة من السيد توقيع إفادته. وعند وصوله أعرب عازوري عن تحفظه على أن المحقّقين لم يسألوا السيد عما إذا كان يرغب في حضور محام، كما ينص عليه القانون اللبناني والقوانين الدولية. رغم ذلك، قرر السيد توقيع إفادته.

هسام والصدّيق

في الثالث من أيلول 2005، حقق قاضي التحقيق اللبناني الياس عيد مع السيد، وأصدر مذكرة توقيف بحقه. تستند الاتهامات الموجهة إلى السيد بشكل أساسي إلى ادعاءات شخصين جرى تعريفهما كـ«شاهدين». الأول، هسام هسام، تراجع عن إفادته في مؤتمر صحافي عقد يوم 27 تشرين الثاني 2005، (...) ولم يستجوبه قاضي التحقيق اللبناني حتى اليوم. الشاهد الثاني هو زهير الصديق الذي اعترف أمام لجنة التحقيق الدولية بأنه شارك في تحضير الجريمة. تُرِك الصديق حراً وغادر إلى فرنسا حيث يعيش بحرية تامة. في العشرين من حزيران 2006، تقدم وكلاء اللواء السيد بطلب إلى المحقق العدلي اللبناني لاسترجاع مذكرة توقيف موكلهم. وبما أن طلبهم لم يلقَ أي جواب، بعث السيد برسالة إلى لجنة التحقيق يوم 12 تشرين الأول 2006، (لم تكن الأولى) طلب فيها سحب التوصية بتوقيفه، وبعد 12 يوماً، رد رئيس لجنة التحقيق بأن «السلطات اللبنانية هي المسؤولة الحصرية عن كل ما يتعلّق بموضوع التوقيف». تقدّم السيد بمذكرته الأخيرة لإخلاء سبيله يوم 25 آذار 2007.

حمدان وعازار والحاج

يضيف التقرير: وكما جرى مع اللواء السيد، أوقف العميد مصطفى حمدان والعميد ريمون عازار واللواء علي الحاج يوم 30 آب 2005، كل منهم في منزله. وفي مقر لجنة التحقيق الدولية، خضعوا للتحقيق مدة 3 أيام من دون وجود محامين. في الثالث من أيلول 2005 أمر المحقق العدلي اللبناني السيد الياس عيد بتوقيفهم، «لدواعي التحقيق»، وكان في كل مرة يرفض طلبات تخلية سبيلهم المقدمة من وكلائهم. لا يزالون موقوفين في سجن رومية المركزي في مبنى خاضع حصرياً لمراقبة فرع المعلومات في وزارة الداخلية. تقدم الضباط الثلاثة بطلباتهم الأخيرة لإخلاء سبيلهم يوم 2 شباط 2007.

أيمن طربيه ومصطفى مستو

أوقف السيدان أيمن طربيه ومصطفى مستو يوم 13 أيلول 2005 بسبب بيعهما بطاقات هاتف في الفترة التي اغتيل فيها الحريري، من دون أخذ بطاقات الهوية من المشترين. في سجن رومية بقي الاثنان معزولين حتى السابع من كانون الأول 2006، وصدر أمر توقيفهم عن قاضي التحقيق الياس عيد، لكن لم توجه إليهم تهمة ارتكاب أي جريمة. يعاني طربيه مشاكل حادة في الجهاز العصبي، أمّا مستو، فيعاني منذ توقيفه مشاكل في القلب لا يمكن تجاهلها وهي بحاجة دائمة إلى معاينة طبية. تقدّم طربيه بآخر مذكرة لإخلاء سبيله في شباط 2007، وبقيت من دون إجابة. أمّا مصطفى مستو، فتقدم بآخر طلب تخلية سبيل يوم 9 آذار 2007، رُفِض بعد أسبوعين.

أحمد ومحمود عبد العال

أوقف أحمد عبد العال يوم 28 أيلول 2005 للاستماع لإفادته في قضية تهريب أسلحة. وبعد نحو 20 يوماً، أمر قاضي التحقيق الياس عيد بتوقيفه. وقد صرّح أحمد عبد العال لوكيله أنه أجبر على توقيع محاضر تحقيق لم يتمكن من قراءتها بسبب ضعف نظره، ولأنه لم يكن يحمل نظّارة. تشتبه السلطات في أنه كان على تواصل هاتفي مع ضباط مشتبه فيهم بالمشاركة في اغتيال الحريري، لكن أي تهمة لم توجه إلى أحمد الذي يعاني سرطاناً في طور الانتشار. حالته الصحية تدعو إلى القلق، وهو بحاجة ماسة إلى مساندة طبية. وقد تقدم يوم 30 آذار 2007 بآخر مذكرة لإخلاء سبيله يوم 30 آذار 2007. أوقف محمود عبد العال يوم 21 تشرين الأول 2005. ومنذ 26 تشرين الأول 2005 أودع سجن رومية على قاعدة أنه أجرى مكالمات هاتفية مع مشتبه فيهم بالضلوع في اغتيال الحريري.

الحكومة اللبنانية: لا علاقة لنا بالتحقيق

أشار تقرير الفريق، وفي الفقرات 16 و17 و18، إلى أن الحكومة اللبنانية، وفي أجوبتها عن رسائل الفريق، أشارت إلى «أنه لا يمكن تحميلها مسؤولية الانتهاكات الناتجة عن إطار التحقيقات التي تجريها لجنة التحقيق الدولية، وخاصة تلك المتعلقة باستجواب اللواء جميل السيد من جانب محقق دولي من دون وجود محاميه، ومن دون إعلامه بحقه بوجود محام. وتؤكد الحكومة أن السلطات اللبنانية والقضاء اللبناني ليس لهما أي علاقة بإجراءات لجنة التحقيق الدولية».
وفي ما يخص اعتقال الأشخاص المذكورين، فقد «أعلنت الحكومة اللبنانية أنهم ليسوا معتقلين بل موقوفون بشكل احتياطي بسبب الاشتباه فيهم بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بالاستناد إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الذي يسمح بالتوقيف الاحتياطي للمشتبه فيهم. وفي إجابة عن مدة توقيفهم، أشارت الحكومة اللبنانية إلى أن الأمر يتعلق بعملية معقدة تطلبت تدخل مجلس الأمن الدولي وإنشاء لجنة التحقيق الدولية (...). وترى الحكومة أن توقيف المشتبه فيهم يتعلّق بتطور التحقيق الذي تجريه لجنة التحقيق الدولية، مع تأكيدها أن هذا لا يعني أنهم سيبقون رهن الاعتقال حتى نهاية التحقيق. كما ردّت الحكومة على القول بأنه ليس في حوزة القضاء أي عنصر ضد الأشخاص الموقوفين بالقول إن التحقيقات سرية، وإنها لا تزال جارية من دون أن يكون القضاء اللبناني قد أخذ أي قرار. وعن أوضاع الاعتقال وادعاءات المعاملة السيئة، ردت الحكومة أنها وقّعت مع المنظمة الدولية للصليب الأحمر اتفاقية تسمح للمنظمة بزيارة كل مراكز التوقيف في لبنان».
في نهاية التقرير، تمنّى فريق العمل على الحكومة اللبنانية «اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح أوضاع هؤلاء الأشخاص، بما بتناسب مع ما تنص عليه المعايير المنصوص عليها في العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية».