149; سوريا تأمل استئناف جهوده في بيروت وفقاً لمبدأ لا غالب ولا مغلوب
بعد أربع وعشرين ساعة على مغادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية بيروت، من دون تحقيق أي خرق في جدار الأزمة اللبنانية، اشتدت الحرب الكلامية بين الموالاة والمعارضة، وتقاذفتا الاتهامات بشأن تعطيل المبادرة

دخلت الأزمة اللبنانية مجدداً دائرة الترقب بانتظار عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت، يوم الأربعاء المقبل، على أمل إحداث نقلة إيجابية نحو حلحلة الأزمة نتيجة الاتصالات الإقليمية التي بدأها موسى فور مغادرته لبنان، أول من أمس، على أن يزور دمشق يوم الجمعة المقبل.
واستبقت سوريا هذه الزيارة بإعادة الكرة إلى الملعب اللبناني، مذكّرة بـ«روحية» المبادرة العربية التي تقضي بضرورة ألّا ينتصر طرف على آخر.
ونقلت وكالة «سانا» عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية أن دمشق تنتظر أن يواصل موسى جهوده، وأن يستأنفها في أقرب وقت في بيروت، «في إطار بيان وزراء الخارجية العرب الصادر عن اجتماعهم الطارئ» في القاهرة، موضحاً أن «الخطة العربية المتكاملة واضحة في تبنيها موقف لا غالب ولا مغلوب، الأمر الذي يضع لبنان على طريق العافية والاستقرار».
وكان موسى قد أجرى عقب مغادرته بيروت سلسلة اتصالات هاتفية شملت مسؤولين سوريين وإيرانيين وسعوديين، فيما رأى مدير مكتبه السفير هشام يوسف أن الخيوط قد تشابكت في الأزمة اللبنانية على نحو يصعب معه التفريق بين ما هو محلّي وإقليمي.
ورفض اعتبار عودة موسى من لبنان من دون التوصل إلى اتفاق بين الأفرقاء على الاستحقاق الرئاسي بمثابة فشل، كما رفض اتهام أي فريق لبناني بشأن عدم تحقيق زيارة موسى النتائج المرجوة منها، مؤكداً «أننا لسنا فى مرحلة تبادل الاتهامات مع أحد»، ومحذراً من أن «الوضع بات خطيراً ولا يتحمّل غياب موسى أو الجامعة العربية عن لبنان»، مؤكداً أن الجامعة العربية لن تتخلى عن لبنان.
ولفت إلى أن الأمين العام للجامعة سيزور دمشق في 18 الشهر الجاري لمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية للعام الحالي، مشيراً إلى أن موسى سيجتمع على هامش هذه الزيارة مع كبار المسؤولين السوريين، وفي مقدّمهم الرئيس بشار الأسد.
ونفى يوسف لـ«الأخبار» احتمال قيام موسى بزيارة وشيكة إلى إيران، موضحاً في المقابل أن الاتصالات بين الجامعة العربية وإيران لم تتوقف، سواء على صعيد الأزمة اللبنانية أو غيرها من الملفات الإقليمية.
في غضون ذلك، جدد الرئيس المصري حسني مبارك تحذيره من استمرار الأوضاع فى لبنان على ما هي عليه، داعياً القيادات اللبنانية إلى الاتفاق في ما بينها بما يحقق المصلحة العامة للبنان. وكان مبارك قد نبّه، أول من أمس، إلى أن «الكل سينفض يده من لبنان إذا لم تُنفّذ المبادرة العربية».
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أن «لا أميركا أو السعودية ولا سوريا أو إيران يمكنها اتخاذ القرارات بالنيابة عن اللبنانيين»، مشدداً على ضرورة إيجاد حل شامل للأزمة اللبنانية، داعياً إلى أن يُتفق على كل المواضيع الخلافية، من رئاسة الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات في آن واحد وبشكل شامل».
ورأى متكي أن «الجميع متضرر من الفلتان الأمني في لبنان ما عدا أميركا».

أولويّة الحكومة انتخاب الرئيس

وفي موازاة ذلك، تبادلت الموالاة والمعارضة الاتهامات بشأن إفشال المبادرة العربية، مع ترك الباب مفتوحاً أمام المساعي الجديدة لحل الأزمة، ولكن ضمن شروط كل فريق.
ومساءً، أصدر المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء بياناً شدد على «ضرورة أن يضع اللبنانيون كامل ثقتهم بجهود الجامعة العربية من أجل إخراج لبنان من المأزق الراهن»، ورأى أن «الاحتضان العربي للبنان في السابق كان فاتحة خير، وهو اليوم سيبقى الطريق إلى الخلاص من المأزق».
وإذ أشار البيان إلى «ضرورة أن يكون انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية هو الهمّ الأساسي لدى كل الأطراف»، شدد على أن «الحكومة ساعية إلى الإسهام في تحقيق هذا الهدف كأولوية مطلقة»، مؤكداً «أن خلاص اللبنانيين لا يكون إلا بوفاقهم الوطني وبتعاونهم في التصدي لكل التدخلات الخارجية، وفي مواجهة جميع الأخطار».

المعارضة تتّهم بوش بالتعطيل

من جهته، اتهم الرئيس عمر كرامي موسى بـ«الانحياز للموالاة عبر إصراره على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل الاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية»، مؤكداً أن «المعارضة لن تسلّم رأسها إلى الموالاة». ورأى أن «الأمور لن تُسوّى في لبنان إذا لم تُقدّم التنازلات المتبادلة من الفريقين»، وكشف أن المعارضة «تحضّر لتحركات لمواجهة حالة المراوحة في الأزمة، قد تنطلق بعد الانتهاء من مراسم عاشوراء».
وشدّد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد على أن «أي مبادرة لا تنطلق من حفظ حق المعارضة في المشاركة في السلطة لن تجد لها طريقاً إلى النجاح»، موضحاً «أن من هم الآن في السلطة ليسوا أهلاً لتسلّم أمانة البلد، ولسنا واثقين من أداء كل هؤلاء. ولذلك، حتى نطمئن إلى أمن أهلنا وحقوقهم ومصلحة بلدنا وسيادته واستقلاله وعلى عدم انصياعه وخضوعة للوصايات الأجنبية، يجب أن نشارك في السلطة».
واتهم الرئيس الأميركي جورج بوش بتعطيل كل المبادرات، لكنه أكد أن الأخير «سيخضع في النهاية، هو وأدواته، لثباتنا».
وأكد النائب حسن فضل الله أن المعارضة «منفتحة على كل نقاش»، لافتاً إلى أنّ «مرتكزات الحلّ واضحة من خلال التفاهم السياسي على السلة الكاملة التي قدمتها المبادرة العربية من دون زيادة أو نقصان». ورأى أن «هذا التفاهم يحتاج في بنده الأساسي، أي الحكومة، إلى ضمانات جدية وواضحة، لأننا فقدنا الثقة في كل التزام محلي مع هذا الفريق الذي تعوّد الانقلاب على كل تفاهم».
من جهته، أوضح عضو «كتلة التنمية والتحرير»، النائب علي حسن خليل، «أن مشروعنا لم يكن ولن يكون مشروع انقلاب في وجه الآخر، بل مشروع احتضان لكل مكوّنات الشعب اللبناني»، وأكد «أننا مع المبادرة التي أطلقتها الجامعة العربية، وقد رفعنا الصوت أن تعالوا لنلتقط هذه اللحظة التاريخية، ولنقدم للبنانيين مشروع حل، فإذ بنا أمام عصبيات تحرك، وأمام انقلاب حتى على هذه المبادرة العربية الواضحة المعالم، والخلفيات، والتفسير، فأتى البعض ليقول، إننا بحاجة لأن نعيد النظر في بعض النصوص التي وردت في هذه المبادرة». وقال: «نحن دعاة حوار، لكن من يرفض أن يفاوض ثنائياً، لا يؤسس لمناخ حواري، بل على العكس، نشتَم من خلال دعوة فريق الأكثرية إلى هذا الحوار الموسع، من يريد أن يفتح نقاشاً جديداً في البلد، يبعدنا عن المبادرة العربية والتسوية السياسية».
في المقابل، تجاوزت «الأكثرية» مطالب المعارضة، ورأت أن المشكلة هي في المحكمة الدولية، متهمة حزب الله بتنفيذ مخطط لوضع اليد على الدولة. وقال عضو «كتلة المستقبل» النائب أحمد فتوح «إن العرب، وفي مقدّمهم السعودية ومصر، ومعهم المجتمع الدولي المتعاطف مع استقلال لبنان وحريته، يعلمون أن سبب العرقلة ليس له علاقة بالشعارات المتداولة داخلياً، ولا سيما منها تلك التي ترفعها المعارضة لتضلل المواطنين، بل بموضوع المحكمة الدولية». ورأى أن «سلبية المعارضة تجاه المبادرة العربية يمكن أن تودي بالبلاد إلى مزالق خطيرة جداً لا يعرف لها قرار».
وعلّق عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب أكرم شهيّب على موقف للنائب رعد قال فيه «إن المشكلة في لبنان ليست في انتخاب رئيس للجمهورية»، مؤكداً «أنهم قوم لا يتعبون، ولديهم قضية كبرى». وتساءل شهيّب: «ماذا ينتظر اللبنانيون والعرب أكثر من ذلك (...) متهماً حزب الله باستهداف الصيغة اللبنانية ومصادرة الأمن. وسأل: «هل سيبقى لعمرو موسى بعد هذا الاعتراف هامشاً لمهمة ننتظرها ونتمنى لها النجاح؟».
بدوره، اتهم مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو «حزب الله» و«أمل» بـ«الانسحاب الكامل من الهوية العربية، والانتقال بلبنان إلى الهوية الفارسية، وضرب القرار والإجماع العربيين، لإشعار العرب بأن إيران وحدها التي تقرر الشأن اللبناني، وأن العرب لم يعد لهم تأثير على الساحة اللبنانية». كما اتهم «النظام السوري بالانسحاب من الجامعة العربية للانضواء تحت المظلة الفارسية». ورأى أن «هناك مخططاً جديداً هو وضع اليد على الدولة بأكملها، (...) وهنا الخطر، أن تلغي طائفة واحدة الطوائف كافة، وأن يصبح «حزب الله» هو الدولة والجيش والمقاومة».
وشن مفتي زحلة والبقاع، الشيخ خليل الميس، هجوماً عنيفاً على حزب الله والعماد ميشال عون من دون أن يسميهما. ورأى أن الحوار مع عون غير مجد، مطالباً رئيس المجلس النيابي نبيه بري باستعادة الراية والقيام بالحوار» كي ننتخب رئيساً».
ووسط هذه الأجواء الملبّدة، حذّر البطريرك الماروني نصر الله صفير من تجدد الحرب في لبنان. وقال في عظة قداس الأحد إن البعض «يغرقنا في أقوال فيها الكثير من المعميات، قد تجر إلى ما لا تحمد عقباه. وقديماً قيل: إن الحرب أوّلها كلام، وقانا الله شر الكلام والحروب». وأكد صفير خلال استقباله وفوداً في بكركي «أن علينا جميعاً أن ننهض به. وإذا كان أبناء الوطن لا ينهضون به فمن في إمكانه أن ينهض به». وقال: «طبعاً علينا أن نستنجد بغيرنا، ولكن علينا أن نستنجد بأنفسنا قبل غيرنا. الناس يساعدوننا، ولكنهم يساعدون نفوسهم قبل أن يساعدونا».
بدوره، تخوّف الوزير الأسبق وديع الخازن من «خروق أمنية كبيرة قد تضرب لبنان، ويمكن أن تؤدي في وقت لاحق إلى عقد مؤتمر دولي، على غرار مؤتمر الطائف».

قضيّة الضبّاط الأربعة مجدّداً

على صعيد آخر، أثار النائب السابق ناصر قنديل قضية الضباط الأربعة المعتقلين، مناشداً الرئيس بري والعماد عون وقائد الجيش العماد ميشال سليمان «التحرك لتحديد الواقع القانوني لهؤلاء الضباط». ودعا «كل الحريصين على أن يكون في لبنان دولة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو مواقفهم من المرحلة السابقة، أو تقويمهم لمدى تورّط الضباط الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى إطلاق هيئة وطنية لحماية ميزان العدالة، تتطلب توصيفاً قانونياً واضحاً لواقع هؤلاء المعتقلين».
وأصدرت هيئة الأمن المركزي في «المرابطون»، بياناً ردّت فيه على مطالبة قنديل الرئيس بري بفتح ملفّ الضباط الأربعة، مستغربة «توقيت» هذا الطلب، ومحذرة «من خطورة اللعب» بكل ما يمس قضية اغتيال الرئيس الحريري بالمبدأ».
من جهة أخرى ،أقامت هيئة الأشرفية في «التيار الوطني الحر» احتفالاً بتوزيع البطاقات الحزبية على الملتزمين. وألقى اللواء عصام أبو جمرة كلمة في المناسبة.