نعمت بدر الدين
إلى جانب انهماك الداخل بأزمة الاستحقاق الرئاسي، وتعثر خطوات المبادرة العربية، عاد الكلام على تدويل الوضع اللبناني إلى الواجهة لدى أكثر من جهة غربية وعربية، بعدما أجمعت الأطراف كافة على وصف المبادرة العربية بأنها «الفرصة الأخيرة»، نتيجة فشل المبادرات السابقة، وكانت آخرها المبادرة الفرنسية التي لا تزال باريس تحمّل المسؤولية عن فشلها للمعارضة اللبنانية وسوريا.
وأبدت مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى خشيتها من فشل المبادرة العربية التي تحتاج إلى اجتراح معجزة، وحذرت من أن هذ الفشل إذا حصل فإنه لن يشجع على أي جهد دولي لاحقاً، وتخوفت من ذهاب المسألة اللبنانية إلى التدويل.
وفي هذا السياق قالت مصادر قريبة من الدبلوماسية الفرنسية إن التلويح بإصدار قرار دولي في مجلس الأمن يلزم اللبنانيين انتخاب رئيس، هو أمر غير جدي. والفرنسيون لا يريدون الوقوع في مأزق الأميركيين، ولا يريدون دفع الأثمان، ولولا ذلك لكان القرار اتخذ منذ بداية الأزمة ولم ينتظر المبادرات. واستغربت هذه المصادر بعض الأحاديث عن اتجاه الأوضاع في لبنان نحو التدويل على غرار ما جرى عام 2004، حيث صدر القرار 1559، ولفتت إلى أن الفرنسيين حاولوا منذ فترة «التسويق» لاستصدار قرار في مجلس الأمن، وقاموا بجولة استطلاعية لرصد موقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لكنهم لم يفلحوا في توفير الأجواء الملائمة لاقتراح مشروع قرار التدويل. وأبرز الدول التي رفضت الصين وروسيا وقطر، بحجة قطع الطريق على أي قرار من شأنه تأجيج الوضع الداخلي، وهذا ما أفسح للمبادرة العربية الجديدة. ورأت المصادر نفسها أن التدخل الدولي لن يساعد في إرساء حلول، مشددة على أن التلويح الفرنسي هو تلويح إيجابي للضغط ، وأن أية خطوة يتخذها الفرنسيون اليوم تقاس بميزان تحقيق الانفراج اللبناني.
ومع ذلك لا تستبعد أوساط دبلوماسية أن يعمد بعضهم في لبنان إلى إحباط المبادرة العربية أملاً في استصدار قرار دولي، إلا أن التدويل غير وارد في الفترة التي تمتد حتى السابع والعشرين من الشهر الجاري، في انتظار تقويم نتائج مبادرة موسى، مضيفة أن مجلس الأمن سيتخذ من فشل التسويات الإقليمية ذريعة لاستصدار قرار، بينما هو اليوم ملزم انتظار نتائج المبادرة المتداولة. وأكدت المصادر أن إصدار أي قرار لن يكون له أي إنعكاس عملي، لأنه يتعامل مع نزاع بين أفرقاء داخليين غير ملزمين تطبيق القرار الدولي الذي يتعامل عادة مع دول لها صفة الشخص القانوني، لكن القرار يحمل قيمة معنوية وتـأثيرية كبيرة. ورأت أن إصدار أي قرار يحمِّل سوريا المسؤولية هو من ضمن أدوات التفاوض الشامل على كل الجبهات لتشديد الضغط عليها من أجل تسهيل بتّ ملفات أخرى.
ومن جهتها استبعدت مصادر عربية تدويل الأزمة اللبنانية، متسائلة عن نوع التدويل المطروح، فهل هو انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، أم رئيس بالغالبية المطلقة، أم ضغط اقتصادي على سوريا لكونها الدولة المعرقلة، أم مجرد قرار بلهجة قاسية للضغط على دمشق؟ ودعت إلى التمييز بين الأوضاع السياسية التي صدر فيها القرار 1559 عام 2004 والظروف السياسية التي يعيشها لبنان والمنطقة، فالعام 2004 كان بداية مرحلة الحدّة الأميركية. أما اليوم فالسياسة الأميركية ترجح الدبلوماسية بدل التحدي. فلا الدول العربية ولا الأمم المتحدة قادرة على اتهام دولة بعينها وتحميلها المسؤولية، ولا طبعاً إجبار اللبنانيين على انتخاب رئيس.