البقاع ــ أسامة القادري
فيما شُغل المواطنون بمواجهة موجة الصقيع التي حصدت أرواح
ثلاثة مواطنين حتى اللحظة، يرزح نزلاء سجن زحلة في «ثلاجتهم القسرية» متسائلين عمّا إذا كان أحدهم هو الضحية التالية. فأين السلطات المعنية؟


تسأل زوجة حسان الذي كان نزيلاً في سجن زحلة، عن الحرامات والثياب الصوفية التي أحضرتها له عندما كان في السجن، لأنها كلّفَتهم 200 دولار «وبعدن عليها دين»، فينظر إليها بغضب ويتمتم: «في ناس جوّا مشحرة عم تموت من البرد، أعطيتهم إياهم صدقة». هذه باختصار حالة السجناء في سجن زحلة في فصل الشتاء الذي تصل فيه درجة الحرارة أحياناً إلى 4 تحت الصفر. وحسان الذي أوقف فقط أربعة أيام لقضية رفض الإفصاح عنها، أُصيب بالإنفلونزا بسبب البرد داخل السجن «اللي مثل الرصاص». ويختصر الوضع العام في السجن، فيقول متغلباً على نوبة السعال التي أصابته: «مخدرات في، حبوب تصطيل في، بس دفا ما في». ويتحدث عن مبدأ التفاضل بين السجناء، ويقول: «مش كل المساجين هيك، المدعوم القادر على الدفع، يأخذ مكان بطول فرشته وعرضها، أما الذي لا قدرة مالية لديه فعليه أن ينام سيافي (كعب وراس) بالقاووش وسط الغرفة مع المقاطيع، وفهمك كفاية».
نزلاء سجن زحلة يعانون النقص في عدد من التجهيزات الأساسية، لكن المشكلة الأهم حالياً هي البرد، في ظل درجات حرارة تدنّت ليل أول من أمس حتى لامست العشر درجات تحت الصفر. فالسجن الذي يقع على ارتفاع 1150 متراً عن سطح البحر، منعدم التدفئة، ويعزو أحد المسؤولين في السجون اللبنانية السبب إلى «حماية المساجين من أنفسهم، أي درء محاولات الانتحار، وحتى لا تكون تجهيزات التدفئة أدوات قتالية بأيدي المساجين أثناء خلافاتهم في ما بينهم». أما عن اللباس الشتوي المفترض أن يقدم إلى السجين حسب قانون تنظيم السجون، فيشير العديد من الضباط القيّمين على السجون إلى أنه لا علم لهم بهذا القانون.
ويحاول أهالي السجناء التعليق على الوضع داخل سجن زحلة، كما يحاولون إظهار احتجاجهم على المعاناة التي يعيشونها، فتقول والدة أحد السجناء: «كأنه ما بيكفينا مصاريف المحاكم. افتكرنا إنو خلصنا. طلعت مصاريف السجن أكبر بكتير». وتشرح الوالدة الستينية أن ابنها يعاني الروماتيزم، وأن «الحرامات والثياب السميكة والفرشة اللي جبتلوا ياهن ما بيكفوا، وما قادرة جيب أكثر، وابني عم يموت من البرد»، وتدعو له باكية «الله يقطّع هالسنة على خير... الله يعينه».

«السجن بسوريا أحسن»

أما ع. ش. الذي لم يمضِ أسبوع على خروجه من سجن زحلة بتهمة تهريب أجانب بين سوريا ولبنان، فيقارن بين السجن في لبنان والسجن في سوريا فيقول: «لم تضِق غرف السجن بالمساجين والموقوفين في سوريا كما يحصل في سجن زحلة، هناك تنام على تختك، وكل شي متوفر، في لباس موحد ما بتحس بالشتي متل هون وما بينقصك شي». ويسهب في وصف الوضع في السجن «اللبناني» فيقول: «حرام عليهم، كنا ننام سيافي (رأس وكعب)، والمدعوم من الشاويش له فرشة خاصة به». كما يتحدث عن إحدى الغرف المعروفة بالقاووش، لكونها أكبر الغرف، ولا يتجاوز طولها عشرة أمتار وعرضها ستة أمتار، ويقول: «استوعب القاووش مئة وثمانية عشر مسجوناً زرك، عدا حاجياتهم وأغراضهم الخاصة. و«الممشى» لا يصلح للنوم في فصل الشتاء بسبب الشباك الحديدية في الجزء الأعلى من جداره». فيما الغرف الأخرى الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 4×4 أمتار، فيتجاوز «زائروها» الثلاثين موقوفاً.
وللأجانب قضية أخرى، فالموقوفون بتهمة الدخول غير الشرعي إلى الأراضي اللبنانية «ليس لهم أحد ليتطلع فيهم، لا أهل ولا أقارب»، وسجن زحلة يعج بهم، منهم من ينفذ محكوميته و«منهم من قضى المدة، لكنه ينتظر ترحيله ولا يزال في السجن».
مرشد السجون الشيخ عدنان ناصر تحدث لـ«الأخبار» وقال إن حرمان المساجين من التدفئة أصبح قضية تتحمل مسؤوليتها كل الوزارات المعنية، «البرد سبب لكل علة، وللأسف المساجين في سجن زحلة تحديداً، يعانون بسببه مرض الروماتيزم وأوجاع الرأس والمعدة وغيرها، وما تقدمه الجمعيات الخيرية لا يغني عن التدفئة المركزية المطلوبة». وأشار الشيخ ناصر إلى أن مرشدية السجون صلاحياتها محصورة بالإرشاد الديني فقط، «وبالرغم من ذلك تقدمنا بمراجعات عن حالات السجون في فصل الشتاء، ولا من يسمع».

في القانون

تنص المادة 83 من قانون تنظيم السجون بعنوان «في اللباس» على أن «ملابس المحكوم عليهم هي لباسان وقميصان وسروال وسترة وحذاء، يضاف إليها في الشتاء جوربان صوفيان، وعند الاقتضاء معطف. وتكون الملابس من الجوخ أو الكتان بحسب الفصل. وتُجَدَّد هذه الملابس كل سنة ما عدا المعطف، كل ثلاث سنوات». وتنص المادة 84 على أنه «يجوز أن يعطى المحكوم عليهم ملابس أخرى، وذلك لدواعٍ صحية وبناءً على موافقة الطبيب».