عفيف دياب
• المطالبة بحقوق المسيحيّين ليست انتقاصاً من حقوق المسلمين، وإن كانت تزعج بعض المؤيّدين

«الوطني الحر» ملتزم الدولة المدنية وصولاً إلى العلمانية هل بدأ التيار الوطني الحر يخسر أنصاره ومريديه في الشارع الإسلامي بعدما طغى خطابه الطائفي المسيحي على ما عداه من كلام وطني؟ وهل علمانيته مجرد حبر على ورق، فشل قادة التيار في ترجمتها فعلاً؟ أم أن المطالبة بحقوق المسيحيين والتحذير من أسلمة الدولة مجرد مناورة سياسية لظرف آني؟

أُصيب ربيع بصدمة حين بدأ يسمع من مسؤولين في التيار الوطني الحر كلاماً على أسلمة الدولة والنضال من أجل استعادة حقوق المسيحيين. فربيع الشاب الثلاثيني المسلم السني وجد في الجنرال ميشال عون ميزة وطنية جامعة، وراح يقول بوجوب أن يلتف جميع الشباب اللبناني الذي عانى ويلات الطوائف حول الجنرال ودعم مواقفه الوطنية الرافضة لكل خطاب طائفي أو مذهبي أو حتى عشائري.
ويقول ربيع الذي تعرف قبل الانسحاب السوري من لبنان في عام 2005 إلى أنصار التيار في الجامعة إنه أُعجب كثيراً بنشاطهم والتزامهم قضية تحرير لبنان من الاحتلالين السوري والإسرائيلي، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية اللبنانية، وحق تقرير مصيرنا بأيدينا ووفق إيماننا ببلدنا ووحدة شعبه ومؤسساته».
ويضيف ربيع، الذي يعدُّ نفسه عونياً، أنه فضّل مغادرة التيار الوطني الحر بعدما لمس «حدة الخطاب الطائفي الذي يطلقه يومياً قادة التيار ونوابه، ما أقلقني ومارس عليّ ضغطاً نفسياً، وبدأت أضيق بالمطالبة بحقوق المسيحيين والتحذير اليومي من أسلمة الدولة اللبنانية، التي لا تعنيني بوصفي علمانياً ينتسب إلى التيار، ما حملني على تقديم استقالتي شفهياً من الهيئة التي أنتسب إليها، لأن اجتماعاتها تركّز على المطالبة بحقوق المسيحيين، لا على حقوقي بوصفي مواطناً يريد أن يعيش إنسانيته في وطن لا تحرك شعبه وأحزابه الغرائز الطائفية».
ويتابع ربيع العاطل من العمل الذي بدأ يفكر جدياً في الهجرة: «استمعت أخيراً إلى الرفيق جبران باسيل وهو يتحدث في مقابلة تلفزيونية، وأكثر ما أزعجني كشفه لوثيقة صادرة عن الأمن العام اللبناني في عام 2000 يوم كان برئاسة اللواء جميل السيد الذي قمعنا في 7 آب. لقد أصبحنا في التيار نعتمد في حركتنا السياسية على وثائق ملتبسة من أيام الوصاية، وأنا لا تعنيني حقوق طائفة ما، بل كل ما يعنيني هو نيل حقوقي كمواطن أولاً وأخيراً».
أصبح ربيع منبوذاً في بلدته لانتظامه في صفوف التيار، إذ إن بلدته موالية بنسبة كبيرة لتيار المستقبل. وبات التيار الوطني يلاقي في صورته في اختراق النسيج الإسلامي وتحديداً السني بعدما أمعن في العزف على الوتر الطائفي، على حد قول ربيع الذي يخالفه نوعاً ما رفيقه عماد الذي لم ينتسب رسمياً إلى التيار، مفضلاً البقاء نصيراً.
ويقول إن «ارتفاع صوت المطالبة بحقوق المسيحيين والتحذير من أسلمة الدولة لا يعنيان تخلي التيار عن علمانيته، وإن كان يخيفني الاستمرار في الخطاب الطائفي».
ويضيف عماد أن «خطاب الجنرال عون لم يكن يوماً طائفياً، لكن الظروف السياسية وهجمة القوى الطائفية عليه اضطرته إلى المطالبة بحقوق المسيحيين»، مبدياً اعتقاده بأن التيار الوطني «انحرف قليلاً عن خطابه العلماني، وهذا ما يتطلب مني أن أبقى خارج إطاره التنظيمي في الوقت الحالي».
انتقاد ربيع ورفيقه عماد لا يجد فيه مسؤول الموارد البشرية في هيئة التيار الوطني في البقاع الغربي سعيد صالح مبرراً يستدعي مغادرة الصفوف. ويقول سعيد إن المطالبة بحقوق المسيحيين «لا تفقد التيار علمانيته، وأنا منسجم جداً مع رفاقي في التيار من الطوائف والمذاهب الأخرى، ولم ألحظ في لقاءاتنا التنظيمية وغيرها ما يمس علمانيتنا وموقفنا الوطني من مختلف القضايا»، مؤكداً أن التيار الوطني الحر هو «الحزب الوحيد اليوم في لبنان القادر على التخاطب مع الآخر بلغة وطنية غير طائفية، وإن المطالبة بحقوق المسيحيين والتحذير من أسلمة الدولة لا يعنيان التخلي عن أهداف التيار في علمنة الدولة»، مؤكداً أن هذه المطالبة «لا تخيفني كمسلم سني في التيار، لا بل تعطيني اطمئناناً إلى أن المطالبة بحقوق فئة لبنانية هي أيضاً من أجل حقوق فئة لبنانية أخرى».
ويشير سعيد إلى أن ارتفاع مستوى الخطاب المسيحي عند التيار الوطني الحر «هو مناورة مرحلية لظرف آني ومحدود جداً»، مؤكداً أن عدد المسلمين المنتسبين إلى التيار في البقاع الغربي وحال التعاطف السياسي معه مرتفعان ولم يتراجعا، خلافاً لاعتقاد البعض، وعلينا أن لا ننسى أننا نتعرض لهجمة سياسية من قوى طائفية في السلطة تريدنا في منطقتنا وغيرها أن نكون طوائفيين».
كلام سعيد يؤكده المسؤول في التيار اللواء عصام أبو جمرة، ويقول إن التيار الوطني الحر «واضح جداً في أهدافه ومبادئه، ونحن لن نتخلى عن علمانيتنا وعن مطلب إقامة الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة»، معرباً عن اعتقاده أن «المطالبة بحقوق المسيحيين هي مطلب ظرفي وجزء منه رد على بعض المزايدين في الشارع المسيحيي، فمطلبنا باستعادة حقوق المسيحيين، وتحديداً حقوق مقام رئاسة الجمهورية لا يعني فقط المسيحيين في لبنان، بل كل الشعب اللبناني».
لا يخفي أبو جمرة وجود بعض التأثيرات السلبية جراء هذا الخطاب، وهو تأثير محدود جداً، فكل أعضاء التيار وأنصاره من غير المسيحيين يتفهمون مطلبنا باستعادة حقوق المسيحيين التي هي بالتالي من حقوق كل اللبنانيين، فالمطلب ليس إجحافاً بحق المسلمين، وصودف أننا نطالب بحقوق لرئيس الجمهورية الماروني، ولو كان سنياً أو شيعياً لطالبنا أيضاً بحقوقه وصلاحياته».
ويلفت أبو جمرة إلى أن «قوى سياسية في الشارع المسيحي تحاول تشويه صورة التيار وسمعته والترويج أنه حزب طائفي ومذهبي، لكن هذه المحاولات لن تنجح، لأننا نؤمن بأهمية فصل الدين عن الدولة وصولاً إلى العلمانية، فخطابنا سيبقى وطنياً، والطائفية أو المذهبية ليستا من عقيدتنا».

ميثاق التيار

يسعى التيار إلى تجديد الحياة السياسية في لبنان، على أسس العلم والأخلاق والشجاعة، وإلى تحرر الإنسان اللبناني، وهو يلتزم العمل تحت عنوان التغيير والإصلاح. ويؤمن بأن الإنسان الفرد قيمة بذاته، وأن الناس يولدون ويموتون متساوين ويعيشون متمتعين بالحقوق والحرية والكرامة، ولهم أن يتباينوا في الآراء والتوجهات والمعتقدات. كما يؤكد على بناء دولة الحق القائمة على قواعد المساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي وتكافؤ الفرص.