strong>البرد القارس يضرب البيوت الزّراعية والخسائر بملايين الدولارات
يتوقع أن تبدأ موجة الصقيع التي تضرب لبنان بالانحسار في غضون الـ48 ساعة المقبلة. وأعلن رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصلحة الأبحاث الزراعية المهندس ميشال افرام أن موجة تدني الحرارة تحت الصفر على السواحل لن تتكرر ابتداءً من صباح الأربعاء، وستصبح على الساحل بين 3 و4 درجات. أمّا في البقاع، فبدلاً من 10 تحت الصفر ستصل إلى 5 تحت الصفر. وأوضح أن الموجة ستستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري، لكن بوتيرة أخفّ، لافتاً إلى أن الموجة الحالية محصورة بالصقيع ولن تشهد أمطاراً أو ثلوجاً حتى نهايتها.
وعزا افرام موجة الصقيع إلى قوة الرياح الباردة التي أصبحت أقوى. وكرّر مناشدة المواطنين والمزارعين وبالأخص في المناطق التي لم تشهد موجات برد قارس سابقاً أخذ الاحتياطات اللازمة الضرورية لجهة التدفئة والانتباه إلى التمديدات المائية، ودعا المزارعين إلى أخذ التدابير اللازمة كي لا يتكبّدوا خسائر كبيرة عبر تدفئة البيوت البلاستيكية أو رش المزروعات بالمياه أو إشعال الدواليب في الفترة التي يبدأ فيها تشكّل الجليد بعد منتصف الليل، كما دعا أصحاب مزارع الدواجن إلى تدفئتها ليلاً لتفادي نفوق الدواجن.
وأدت موجة الصقيع الى وفاة عدد من المواطنين في مناطق الجنوب والشمال وسبّبت أضراراً في المزروعات والأشجار المثمرة.
ففي طرابلس (عبد الكافي الصمد) لقي المواطن علي حمّود حتفه صباح أمس، بعد إصابته بنوبة قلبية حادّة نتيجة موجة الصقيع والبرد، ونقل إلى المستشفى الحكومي في محلّة القبة بعدما عثر عليه جثّة هامدة في ساحة الكورة وسط طرابلس.
وأفادت المعلومات أنّ حمود البالغ من العمر قرابة 70 سنة، متشرّد ويعيش بلا أوراق ثبوتية في طرابلس منذ سنوات، وأن أهالي المنطقة يعرفونه جيّداً، نظراً لإقامته فترة طويلة بينهم، مشيرين الى أنه من بلدة جويّا الجنوبية حسب ما كان يردّد على أسماعهم.
وبعدما أبلغت مفرزة مخفر التلّ في قوى الأمن الداخلي بوفاته، حضرت عناصر منها إلى المكان قبل نقله إلى المستشفى الحكومي، حيث عاين الطبيب الشرعي حسن علوية الجثة، وأفاد في تقريره أنّ الوفاة حصلت إثر الإصابة بنوبة قلبية، نتيجة موجة البرد والصقيع التي خيّمت على طرابلس بشكل غير مسبوق.
وفي الضنّية، سبب الجليد الذي تكوّن على الطريق العام التي تربط القضاء بطرابلس، وقوع حادث سير قرب موقع حاجز الجيش اللبناني بين بلدتي كفرحبو وعشاش (قضاء زغرتا)، بين شاحنة نقل متوسطة «بيك أب» وباص لنقل الطلاب، اقتصرت أضراره على الماديات.
وحضرت إلى مكان الحادث على الفور عناصر من قوى الأمن الداخلي، عملت على إعادة فتح الطريق التي توقفت لبعض الوقت حركة العبور عليها، قبل أنْ يجري إبعاد الشاحنة والباص جانباً.
وفي بلدة مرياطة ــــــ قضاء زغرتا، قام مواطنون مساء أول من أمس بقطع الطريق الرئيسي التي تربط طرابلس بقضاء الضنّية نحو نصف ساعة، وأحرقوا خلالها إطارات السيّارات، احتجاجاً على ما رأوا أنه عدم تلبية وزارة الطاقة والمياه مطلبهم بتأمين محوّل كهربائي جديد للبلدة، لأنّ المحوّل القديم لم يعد بإمكانه تحمّل الضغط الحاصل عليه هذه الأيّام، ولأنّ المراجعات العديدة التي أجروها لم تؤد إلى أيّ نتيجة. إلا أنّ عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي التي حضرت إلى المكان، عملت على إعادة فتح الطريق وإبعاد المتظاهرين.
وفي المنية تلقّى القطاع الزراعي ضربة موجعة بعدما أتت موجة الصقيع والجليد في الأيّام الماضية على أغلب البيوت الزراعية التي تحوّلت إلى أشلاء، معيدة تذكير المواطنين بالموجة المشابهة التي ضربت المنطقة قبل ثلاث سنوات، مخلّفة أضراراً واسعة، وخسائر لا يزال المزارعون يدفعون ثمن نتائجها السلبية حتى اليوم.
وأشار عامر البقاعي، وهو مزارع يملك محلاً تجارياً للأسمدة والبذور والمعدّات الزراعية في المنطقة، الى أنّ موجة الصقيع «لم تبقِ شيئاً من الموسم الزراعي في المنية، لا في البيوت الزراعية ولا الأشجار المثمرة، لقد تلقينا ضربة قاصمة»، لافتاً إلى أنّه «لم ينجُ أيّ بيت زراعي تقريباً من الكارثة، وأنّ أكثرية المزارعين بدأوا بـ«تعزيل» البيوت الزراعية وتنظيفها من الشتول التي «احترقت» بالصقيع، وباتت أثراً بعد عين».
وأوضح أنّ خسائر المزارعين في المنية هذا الموسم «لا تقلّ عن مليونين ونصف مليون دولار أميركي، لأنّ ما يقارب من 7 آلاف بيت زراعي في المنية أتى عليها الصقيع بالكامل»، مشيراً إلى أنّ «تكلفة كلّ بيت زراعي تراوح بين 400 و750 دولاراً، وإلى أنّ أغلب المزارعين قد استدانوا من تجّار الجملة مسبّقاً ما يحتاجون إليه لزراعاتهم، وأنا وحدي لي ديون على مزارعي المنية ما لا يقل عن مليار ليرة!».
أمّا المزارع خير الله شديد، فأشار إلى أنّ «بساتين الليمون قد تضرّرت بدورها، والى أنّ ثمارها قد نشف العصير منها بعدما أتى الصقيع عليها؛ وما يحزّ في قلبي أنني كنت أهيّئ نفسي لقطف الموسم خلال هذا الأسبوع!».
من ناحيته، كاد المزارع علي ملص يصاب بنوبة قلبية بعدما رأى شتول وثمار البيوت الزراعية الخضراء، من البندورة والخيار واللوبياء والكوسا وغيرها، وقد تحوّلت إلى اللون الأسود الداكن، وخصوصاً أنّه استدان من التجّار والسماسرة ما يحتاج إليه لزراعتها، إلا أنّ كلّ آماله ذهبت أدراج الرياح.
وقد دفع هذا الوضع عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب هاشم علم الدين، إلى مطالبة الجهات المعنية، ولا سيما الهيئة العليا للإغاثة، بإعلان حالة الطوارئ «للاطلاع على الأضرار الزراعية التي تكبّدها المزارعون نتيجة الجليد الذي ضرب المنطقة وأتلف مئات البيوت البلاستيكية الزراعية».
في موازاة ذلك، أشارت «جمعية المنية الزراعية» إلى أنّ «موجة الصقيع والجليد التي ضربت ولا تزال بشكل مباشر الموسم الزراعي، وخاصة الخيم البلاستيكية، تعرّض المزارعين لخسائر فادحة، وتلحق بهم وبعائلاتهم أبشع أنواع المصائب التي تطال لقمة عيشهم، وقدراتهم على الاستمرارية في تأمين أبسط الاحتياجات الضرورية لعائلاتهم».
وفي النبطية (كارولين صباح) تستمر موجة الصقيع يرافقها انخفاض كبير في درجات الحرارة وبرد قارس وجليد على الطرقات العامة أدى الى وقوع حوادث سير عدة اقتصرت أضرارها على الماديات.
وفي بنت جبيل (داني الأمين) أدّت موجة الصقيع الى وفاة مواطنين من بلدتي الصوانة ويحمر الشقيف متأثرين بالبرد الشديد، إلى جانب أضرار بالمزروعات والخيم البلاستيكية.
وفي الهرمل، أدّت موجة الصقيع الى انخفاض حاد في درجات الحرارة مما سبّب حوادث سير متفرقة وأضراراً في شبكات مياه الشفة وفي المزروعات الشتوية. وفي اللبوة، انزلق جرّار زراعي مما أدى الى وفاة يحيى حسين شمص.
ولا تزال محافظة البقاع (نقولا أبو رجيلي) تحت وطأة موجة الصقيع حيث سجلت درجات الحرارة تدنّياً لم يسبق له مثيل، مترافقةً مع رياح شمالية. وعلى الرغم من ذلك فتحت المدارس أبوابها وعادت الحركة ولو ببطء إلى مختلف الأسواق البقاعية.
ولم تسلم الزراعات المحمية (البيوت البلاستيكية) وبعض الزراعات الشتوية الأخرى (ملفوف – قنّبيط ...) من موجة الصقيع التي ضربت المحافظة، وأكثر الزراعات التي تضرّرت نبتة الخس التي يعتمد عليها أصحاب البيوت البلاستيكية في موسم الشتاء.
المزارع وديع نبهان الذي يملك 26 هنغاراً في بلدة الدلهمية (قضاء زحلة) قال لـ«الأخبار» إن الخسائر التي لحقت بمزروعاته المختلفة (بقدونس – هندباء طويلة – بروكولي – نعناع) تأثرت بموجة الصقيع وتوقّف نموّها بشكل طبيعي مقارنةً بالأعوام السابقة. وأشار إلى «أننا لم نستفد هذا الموسم من أيّ إنتاج بانتظار تحسن أحوال الجو». وأوضح أن تكلفة كل هنغار مزروع بالخس بمساحة 400 متر مربع تصل الى 500 دولار أميركي أتلفت جميعها وهي في مرحلة متقدمة من نموها. وقدّر قيمة الأضرار التي لحقت بهذه المزروعات في منطقة البقاع بحوالى 3 ملايين دولار أميركي تنحصر في كلفة الإنتاج، لافتاً إلى أن أصحاب هذه الوحدات الزراعية بصدد إنشاء جمعية للزراعات المحمية في البقاع أسوة بباقي المناطق اللبنانية. وطالب الجهات المعنية بالتعويض عن الخسائر التي لحقت بهذا القطاع واعتبارها نتيجة للكوارث الطبيعية.
وفي جولة على بعض الأراضي المزروعة بالملفوف والقُنّبيط شوهدت قطعان من المواشي ترعى هذه المحاصيل التي تركها أصحابها نتيجة تعرضها للتلف جراء الصقيع. وقال رئيس نقابة المزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي لـ«الأخبار» إن جميع الأراضي المزروعة بأصناف الملفوف والقنّبيط (الزهرة) تعرضت للتلف. وقدّر مساحة هذه الأراضي بـ600 دونم بتكلفة 500 ألف ليرة لبنانية للدونم الواحد، مشيراً الى أن استمرار الوضع على هذا الشكل سيؤدّي الى أضرار قد تلحق ببراعم الأشجار والنباتات الأخرى، وأن قلة الأمطار قد تؤثّر سلباً على نسبة المياه الجوفية، المصدر الرئيسي لري المزروعات في موسم الصيف.
(الأخبار، وطنية)