strong>ديما شريف
• 3 قتلى و36 جريحاً وأضرار بينها سيّارة للسفارة الأميركيّة

بعد شهر وثلاثة أيام من التفجير الإرهابي الذي راح ضحيته اللواء فرنسوا الحاج، انفجرت عبوة ناسفة، أمس، في الكرنتينا أودت بحياة 3 مواطنين وجرحت أكثر من 30. ويشتبه بأن العبوة استهدفت سيارة تابعة للسفارة الأميركية كانت تمرّ في المكان ممّا أدّى إلى تضررها وجرح من فيها. ويأتي الانفجار عشيّة عودة السيد عمرو موسى إلى لبنان ومع زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة

عند الرابعة والنصف من بعد ظهر أمس، انفجرت عبوة ناسفة في منطقة الكرنتينا ـــــ طريق الدورة البحرية، على المدخل الشمالي لبيروت. وكالعادة، بدأت التكهنات حول المستهدف. استعرض اللبنانيون أسماء الشخصيات التي تسكن قرب المكان. بعد دقائق، تبرز حقيقة لا نقاش فيها: سقط عدد من القتلى والجرحى، وأضرار مادية جسيمة لحقت بالمصانع والورش والمحال الموجودة في المنطقة. كانت الأضرار واضحة للعين المجرّدة. إذ خلّف الانفجار حفرة كبيرة في وسط الشارع امتلأت بالمياه بعد أن انفجرت أنابيب الصرف. وامتدت الأضرار إلى الشارع الذي يقع خلف غاليري «فانيليان» والمتفرع من شارع «شلّ» حيث تساقط زجاج الأبنية السكنية القليلة الموجودة فيه. كما خُلعت الأبواب داخل المنازل وأبواب المحال الحديدية التي كانت مغلقة بفعل قوة الانفجار. وأدى الانفجار إلى إصابة سيارة دبلوماسية مصفّحة تابعة للسفارة الأميركية بأضرار جسيمة، بينما احترقت السيارة العابرة بقربها ومات من بداخلها. وتضررت أكثر من 20 سيارة كانت موجودة في المكان.
وأفاد الصليب الأحمر اللبناني عن وقوع ثلاثة قتلى و36 جريحاً تم إسعاف 26 منهم في مكان الانفجار، فيما نُقل الباقون إلى مستشفيات: مار يوسف، الجعيتاوي، رزق، العسكري، الروم وأوتيل ديو. الجرحى كانوا بأغلبهم في المباني والمصانع المجاورة لمنطقة الانفجار، وبعضهم كان في سيارات مارة في المكان وقت الانفجار.
تشهد المنطقة، وبأغلبها صناعية، مرور مواكب تابعة للسفارة الأميركية بشكل شبه يومي. وأفاد شهود عيان أن سيارة من نوع هوندا سيفيك رصاصية اللون كانت متوقفة قرب مستوعب للنفايات أمام مبنى «باكول» منذ أيام عدة، وقد طارت بفعل الانفجار إلى الجهة المقابلة من الطريق. وعادةً، تتوقف سيارات في المكان لأيام بسبب وجود ورش مختلفة لتصليح السيارات. وكان بعض السكان قد اعتقدوا أن صهريجاً مرّ قبل التفجير بثوانٍ هو الذي انفجر نظراً إلى قوة الانفجار التي أدت إلى تساقط زجاج بعض المباني في برج حمود وسن الفيل ومناطق الجوار. وقال سكان المنطقة إن الوضع كان هادئاً ولم يحصل ما يثير الريبة في الأيام الماضية أو الساعات التي سبقت التفجير.
بدوره، ضرب الجيش طوقاً أمنياً مشدّداً في المكان، وحضر فوج الهندسة حيث قام عناصره بمسح للشوارع الفرعية المحيطة بمكان الانفجار بواسطة الكلاب للتأكد من خلوّها من أية عبوات إضافية. وطلب عناصر من الجيش من أصحاب الورش وسكان المباني في الشارع الخلفي لغاليري فانيليان الابتعاد عن المكان حتى الانتهاء من عملية المسح التي يقوم بها عناصر فوج الهندسة. وكان لافتاً عصبيّة عناصر الجيش البارزة.
وأفاد مصدر أمني أن القتلى هم: شخصان كانا داخل سيارة مدنية عابرة ومواطن سوري ماراً على دراجة. فيما أفاد مصدر آخر أن القتلى من موظفي الأمن اللبنانيين العاملين في السفارة الأميركية والذين يرافقون عادةً المواكب الوهمية الثلاثة التابعة للسفير الأميركي والتي تسبق ذهابه لاستكشاف الطرق المحيطة. وأضاف المصدر أن الموكب الوهمي كان عائداً من فندق الفينيسيا حيث كان يقيم السفير جيفري فيلتمان حفل استقبال وداعي له بعد ظهر أمس. وأعلنت السفارة الأميركية إلغاء الحفل، ووزّعت ليلاً بياناً نفت فيه أن يكون أحد الجرحى أميركي الجنسية، وأكدت أن الجرحى داخل السيارة الدبلوماسية موظفون لبنانيون في السفارة كانوا على متنها، وهي عائدة من مطار بيروت الدولي ومتجهة إلى عوكر.
وقطعت القوى الأمنية الطريق المؤدية إلى مكان الانفجار، ما سبب زحمة سير خانقة على الأوتوستراد، وخصوصاً بعد أن أقام الجيش حاجزاً في منطقة المرفأ وأوقف كل الفانات الداخلة إلى بيروت وفتّشها. وإثر الانفجار، أصدر الرئيس أمين الجميّل بياناً دان فيه الانفجار، وقدّم التعازي بالضحايا، متمنياً للجرحى الشفاء العاجل. كما اتصل رئيس مجلس النواب نبيه بري بالسفير الأميركي جيفري فيلتمان، وبالنائب آغوب بقرادونيان، مستنكراً. كما اتصل الوزير المستقيل فوزي صلوخ، بفيلتمان، معرباًعن «الإدانة الشديدة لهذا العمل المرفوض». وقال في تصريح إن «الدبلوماسيين، إلى أي جهة انتموا، هم ضيوف لبنان ولا يصحّ الاعتداء عليهم أو إلحاق الأذى بهم لأن في ذلك مساساً بأمن لبنان».
ووضع النائب سعد الحريري التفجير «في سياق المسلسل الإجرامي الذي يمنع لبنان من استعادة عافيته»، لافتاً إلى أنه «يتزامن مع الجهود العربية لإنهاء أزمة رئاسة الجمهورية ومنع اللبنانيين من التلاقي».
ورأى النائب روبير غانم أنه «ليس من قبيل المصادفة استهداف هيئات دبلوماسية أجنبية، بعد أسبوع من الاعتداء على قوات اليونيفيل»، وقرأ التفجير على أنه يستهدف المبادرة العربية «ويعكس نية لعرقلتها».
واستنكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجريمة، كما استنكرت حركة «أمل» امتداد «يد الغدر الإرهابية الآثمة لتطال مواطنين أبرياء في منطقة الكرنتينا». ورأى حزب الطاشناق أن الانفجار «يصب في مصلحة أعداء لبنان المستفيدين من تعطيل الحل في لبنان».

ردود فعل دولية

أما دولياً، فقد صدر مواقف عديدة من أبرزها موقف لسفير فرنسا في الأمم المتحدة جان موريس ريبير، الذي انطلق من إدانته لـ«الاعتداء الجبان»، ومن إبداء القلق «من محاولات البعض لشرذمة الوضع في لبنان»، ليجدد قول وزير خارجية بلاده إنه في حال فشل مساعي الجامعة العربية «نحن مستعدون للعودة إلى الأمم المتحدة».
وأعربت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عن «استيائها» إزاء ما وصفته بالهجوم «الإرهابي». وقالت رايس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الرياض «أريد التعبير عن استياء الولايات المتحدة من الهجوم الإرهابي الذي وقع في لبنان اليوم». وأضافت « أؤكد للجبناء الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي أننا سنساعد اللبنانيين على إحلال الديمقراطية ومقاومة التدخل في أمورهم وانتخاب رئيس للبنان». من جانبه، قال الفيصل إذا «كان المقصود من هذا العمل الإرهابي الثني عن متابعة الوضع في لبنان للوصول إلى حلّ لأزمته، فلن ينجح»، كما دان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير «محاولات زعزعة الاستقرار»، مندداً «بشدة» بالاعتداء. وقال كوشنير في «مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار، تكرّر فرنسا دعوة كل الأطراف في لبنان كما خارج لبنان، إلى تحمّل مسؤولياتهم وبذل ما في وسعهم لإنهاء الفراغ الخطير على رأس الدولة اللبنانية».
ورأى وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية كيم هاولز «أن المسؤولين عن الهجمات ليسوا أصدقاء لبنان ولا الشعب اللبناني». وأدان وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما التفجير، وعبّر عن أمله في «أن تتمكّن كافة عناصر المجتمع اللبناني من عزل الفئات المتطرّفة والعمل لإيجاد حلّ توافقي وسلمي للأزمة اللبنانية".
ودان وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير التفجير، وقال في بيان «إن الاعتداء يبيّن مرة أخرى ضرورة حلّ الأزمة الداخلية في لبنان بأسرع وقت ممكن لوضع نهاية للعنف». وأعرب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عن «إدانته وانزعاجه الشديد إزاء الانفجار وما يحمله استهداف مصالح أجنبية من رسائل».
ورأت دائرة الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية في بيان أن «هذا العمل الإجرامي وقع في الوقت الذي يعاني فيه لبنان أزمةً سياسيةً». كذلك دان الأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى الانفجار، وقال إنه «دليل على خطورة الموقف في لبنان وعلى ما يمكن أن نستخلصه من رسائل».



عود على بدء

فور وقوع الانفجار حضرت إلى المكان أعداد كبيرة من سيارات الإسعاف والدفاع المدني وفوج الإطفاء، كما انتشر عناصر من الجيش والدرك والشرطة البلدية وأمن الدولة ووحدة الشرطة القضائية وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في المكان، ما أحدث ازدحاماً وحالاً من الفوضى في مسرح الجريمة. وعندما وصل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقائد وحدة الشرطة القضائية العميد أنور يحيى إلى المكان بعد أكثر من نصف ساعة على وقوع الانفجار، بدأت قوى من الجيش إبعاد كلّ من ليس له عمل عن مكان الانفجار بهدف حماية موجوداتها التي يحتمل أن يكون بعض منها ضمن الأدلّة جنائية.



الخارجية الأميركية


إعلان عدد القتلى رسمياً من واشنطن أولاً

بعيد وقوع الانفجار وقبل أن يصدر أي بيان عن السلطات الرسمية اللبنانية، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية من واشنطن أن الانفجار وقع عند مرور سيارة تابعة للسفارة الأميركية في بيروت وأوقع أربعة قتلى مدنيين ليس بينهم أي أميركي وأن السيارة تضررت بشكل طفيف. وقال المتحدث باسم الخارجية شون ماكورماك إن سائق السيارة اللبناني «أصيب بجروح طفيفة». أما راكب السيارة الوحيد الآخر، فهو موظف غير أميركي في السفارة ولم يصب بأذى. وأضاف في المقابل ان «أربعة من سكان بيروت قتلوا في الانفجار». وشدّد ماكورماك على عدم وجود أي دبلوماسي أو مواطن أميركي في سيارة السفارة الاميركية التي تضرّرت من جراء الانفجار. وتحدث ماكورماك عن «عبوة» من دون التأكيد ما إن كانت السيارة الاميركية هي المستهدفة.