طارق ترشيشي
لا يحمل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في زيارته الجديدة لبيروت، و«الفورية» التي لازمت بنود المبادرة التي يعمل على تسويقها بدأت تتحوّل إلى «تأجيلية»، لأن «سرعة النص» خرقت جدار التنفيذ ومزّقته قبل أن يبدأ...
ولعلّ موسى قد قرأ الرسالة التي وجهها إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء أول من أمس، أن عليه أن يتجنّب «التورّط» في السعي إلى تحميل المعارضة مسؤولية فشل المبادرة، مع العلم أنه كشف أنه كان قد أبلغه في لقائهما الأسبوع الماضي أنه مستعدّ لتحمّل هذه المسؤولية.
موقف السيد نصر الله هذا كشف عن أن المعارضة ترى أن المبادرة العربية ليست متوازنة، وأن الأرجحية فيها أو الصوت المرجّح في الحكومة التي تدعو إليها هو في يد الموالاة، لا لدى رئيس الجمهورية، لأن صيغة «حكومة المثالثة» أو حكومة 10 + 10 + 10 لم تحملها المبادرة، بل حملت حكومة تعطي الموالاة الأكثرية الوزارية التي تجعل «الصوت المرجّح» لديها، لا لدى رئيس الجمهورية، ولا تعطي المعارضة «الثلث الضامن».
لذا، فإن المواقف التي عبّر عنها السيد نصر الله عشيّة عودة موسى إلى بيروت، حددت في رأي متابعين «خريطة طريق» المعارضة للتعاطي مع قضايا المرحلة في ضوء فشل المبادرة العربية التي يسعى موسى إلى بعث الروح فيها مجدداً من دون جدوى.
ففي ما قاله، رفع السيد نصر الله موقفه من رتبة «اللين بغير ضعف» إلى رتبة «وضع النقطة على الحرف»، معلناً دخول المعارضة في أسلوب جديد من التعاطي مع قضايا المرحلة، ومن المواجهة مع فريق الموالاة، وجازماً بأن المعارضة لن يعوقها أي تهويل لدفعها إلى القبول بحلول على حساب ثوابتها.
وفي قراءة المتابعين لما قاله نصر الله، يتبيّن لهم الآتي:
أولاً ـــــ نعيه المبادرة العربية، عندما سرد جزءاً من وقائع اللقاء الذي انعقد بينه وبين موسى لجهة تحذيره من السعي إلى تحميل فريق معيّن، وتحديداً فريق المعارضة، المسؤولية عن فشل المبادرة العربية، فيما هو يعتقد أن الذين هندسوا هذه المبادرة إنما يريدون أن يتخذوا من فشلها ذريعة للوصول إلى ما قال إن الجانب الأميركي وعد فريق الموالاة به في شأن المحكمة الدولية أو اندلاع حرب ومتغيّرات إقليمية خلال الربيع المقبل، وذلك بعد تدويل للأزمة الداخلية يصعّد وتيرة الأزمة بين القوى المتنازعة.
ثانياً ــ استبعاد شنّ إسرائيل حرباً جديدة على لبنان وسوريا، لكنه لم يسقط هذا الاحتمال، وخصوصاً عندما أكد أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذريعة حتى تشن مثل هذه الحرب. لذا فإنه أكد جهوزية المقاومة للتصدي لأي عدوان، واثقاً من تحقيق انتصار جديد. ولهذا توجّه بالنصيحة إلى الموالاة لكي تتلاقى مع المعارضة على حل لمصلحة لبنان، لأن ما وُعِدَت به من متغيرات إقليمية سيكون في غير مصلحتها، لأن الإدارة الأميركية الحالية لم يعد لها في السلطة سوى أقل من سنة، وهي تتصرف قبل زيارة الرئيس جورج بوش الحالية للمنطقة وأثناءها بما يخدم مصالح التحالف الثلاثي الذي تتكوّن منه، وهي شركات النفط الكبرى وشركات تصنيع السلاح والمسيحية المتصهينة، لذا كانت إشارته إلى أن زيارة بوش للمنطقة تحمل ثلاثة عناوين: أولها إسرائيل، وثانيها صفقات السلاح وثالثها النفط، ما يعني أن بوش جاء إلى المنطقة ليؤمّن «تحويجة العمر» من صفقات السلاح والنفط، ومن «واجب ديني» تجاه إسرائيل حتى يغادر البيت الأبيض «راضياً مرضيّاً»؟!
واللافت أنه منذ إعلان المبادرة العربية لم يصدر أي موقف أميركي عن أي مستوى في الإدارة الأميركية يؤيد هذه المبادرة ويشجع الأطراف المعنية على السير بها. فعندما زار السفير الأميركي جيفري فيلتمان الأسبوع الماضي موسى أثناء وجوده في بيروت، لم يأت أمامه على ذكر المبادرة العربية، وجُلّ ما صدر موقفان عن بوش أثناء وجوده في الخليج قبل أيام وفي شرم الشيخ أمس يعلن فيهما دعمه لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لا يمكن تفسيرهما إلّا بأن واشنطن لا تؤيد المبادرة العربية وأنها مرتاحة إلى استمرار حكومة السنيورة ولا ترى حاجة ملحّة لملء الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، رغم دعوة بوش أمس من مصر إلى «الانتخاب الفوري» لرئيس الجمهورية، متجاهلاً الأزمة السائدة بين الموالاة والمعارضة وداعياً فريق 14 آذار مداورة إلى المبادرة في هذا الاتجاه من دون التوقف عند الأزمة السائدة بينه وبين فريق 8 آذار. وفيما وجد البعض في مواقف نصر الله إشارات واضحة إلى اتجاه لدى المعارضة لتغيير قواعد اللعبة الداخلية، في موازاة الاستعداد لأي تطورات خارجية، فإن بعض أركان الموالاة يتصرفون على أساس أن الأوضاع الداخلية آيلة لمصلحة فريق 14 آذار مستندين إلى ما تبلّغوه من «تطمينات وضمانات» من الإدارة الأميركية. لذا ليس من المبالغة توقّع احتدام النزاع بين الموالاة والمعارضة في قابل الأيام والأسابيع المقبلة، وخصوصاً في حال تعذُّر انعقاد القمة العربية العادية في دمشق نتيجة استمرار الخلافات العربية ـــــ العربية.