مفيد مصطفى
لم ينجح اجتماع عقد أخيراً بين صيّادي بحيرة القرعون في توحيد كلمتهم لحلّ عشرات المشكلات التي يعانونها

الساعة الخامسة فجراً، تراوح حرارة الجوّ بين 2 و5 درجات. يرتدي صيّاد السمك على بحيرة القرعون تميم شاهين المزيد من الثياب الصوفية، يلبس فوقها ثوباً بلاستيكياً مانعاً لخرق المياه. يمشي وأخاه عدة أمتار في المياه ليصل الى مركبه الصغير، يدير محرّكه وينطلق إلى «علاماته» (جرار بلاستيكية فارغة لها ألوان محدّدة تدلّه إلى الشباك) ليجمع غلّته من سمك الكارب والنهري والسردين. ينصب شباكه من جديد ثم يعود إلى الشاطئ حيث يكون التاجر في انتظاره. «ثمن الكيلو 1500 ليرة... يا بلاش، أرخص سمك بالعالم»، يقول وينظر إلى الساعة: إنها الثامنة صباحاً.
الشكوى ترافق حديثه، فإلى مشقة العمل لقاء البدل الزهيد، العديد من المشاكل التي يعانيها صيادو بحيرة القرعون خصوصاً، بعضها عائدٌ لإهمال الدولة للبحيرة بيئياً وتنموياً، وأخرى لعدم تكاتف الصيادين بعضهم مع بعضهم الآخر.
يأتي التلوّث في طليعة المشاكل رغم أن شاهين يرفض هذه المقولة، فـ«البحيرة ليست ملوثة، إنها دعاية». ويضيف مشدداًعلى كلمة دعاية: «كان سعر كيلو السمك 4 آلاف ليرة ولكن بعد دعاية التلوث أصبح الكيلو بــ1500».
إلى مشكلة التلوّث، تبرز صعوبة الطريق المؤدية إلى المراكب، فهي محفّرة بالكامل ومليئة بالوحول التي تؤدي في العديد من الأحيان إلى غرق السيارات. أضف إلى ذلك موجة الغلاء وخصوصاً المحروقات: «ندفع عشرة آلاف ليرة ثمن البنزين للسيارة ومثلها مازوت للقارب، يعني لا يبقى لنا من الغلة إلا القليل القليل». نار الغلاء طالت بلهيبها أيضاً شباك الصيد التي تضاعف سعرها «كنا نشتري الثوب (35 متراً من الشباك) بــ10$، أما اليوم، فقد تضاعف سعره و أصبح يناهز الـ20$»، يعلن ناصر حمد متأففاً «والشباك التي تعدّ أسعارها مرتفعة تمزقها بقايا الزجاج والبلاستيك التي يجرفها نهر الليطاني حين يفيض» يقول تميم بنبرة حزينةإلا أن الجزء الأكبر من المشاكل يعود الى عدم وحدة الصف بين الصيادين أنفسهم، وهذا يبدو من خلال تفكك النقابة بعد سنتين من إنشائها، ما أدى إلى عدم وصول أي معونات من الدولة إلى الصيادين «في صيدا وطرابلس يحصلون على معونات وشباك صيد من الدولة، أمّا هنا، فلا يصلنا أي شيء»، يقول أحمد حاتم. ونتيجة لانهيار النقابة، يرى نقيب صيادي بحيرة القرعون أحمد قدورة أن «الصياد على البحيرة يعاني انعدام الضمانات الاجتماعية وكذلك التأمينات على الحياة في حال الغرق أو الحوادث». حتى سعر السمك تأثر بهذا الأمر «لأن أحداً لا يحكي باسم الصيادين، فيحتكر التجار أسعار السمك ويرفضون رفعه متذرعين بتلوّث البحيرة والسمك»، يضيف حاتم. علماً أن التجار يشترون كلّ الكميات حتى لو تعدّت الطن الواحد يومياً كما يدّعي الصيادون.
إلى ذلك تعاني النقابة اتهامات متبادلة بين النقيب قدورة وعدد كبير من الصيادين، بينهم نائبه محمد سعيد شاهين الذي قال إنّ النقيب لم يكن يرسل محاضر الاجتماعات إلى وزارة العمل وكان يهدر المال ولا يهتم بالنقابة ومطالب الصيادين. ويردّ قدورة على هذه الاتهامات بالقول إنه ليس هناك محاضر أسبوعية تُرسَل إلى وزارة العمل، ويؤكد أنّ المشكلة ليست في النقابة بل في إجراء انتخابات جديدة وتجديد الهيكلية الإدارية.
ويعرض الإنجازات التي قام بها والتي وقف عدد كبير من الصيادين ضدّها ومنها القيام بمساع لإنشاء تعاونية إلى جانب النقابة من أجل الحصول على مساعدات من وزارة الزراعة «لكن الصيادين لم يبدوا استعدادهم لدفع الاشتراكات». ويشير إلى أنه حل مشكلة تعهد كانت تريد مصلحة الليطاني أن تجعل الصيادين يوقّعونه، وهو يقضي بوقف الصيد «لأنّها كانت تريد أن تخلي مسؤوليتها عن أي حادث يصيب الصيادين، الحل جاء عبر توقيع إخلاء مسؤولية لمصلحة مصلحة مياه الليطاني». ويؤكد أنه تمكن من تحصيل تعويضات لبعض الصيادن جرّاء كوارث ألمت بهم «لكنّ المشكلة أنّ الصيادين ينظرون إلى النقابة كإفادة مادية، لا كهيئة مدنية تدافع عن حقوقهم ومطالبهم، لكن تجديد النقابة مرهون بهمّة الصيادين على إجراء انتخابات جديدة». على خط موازٍ، فإنّ جميع محاولات إجراء الانتخابات قد باءت بالفشل، وآخر اجتماع عقد في 10 كانون الثاني، لم يتم التوصل فيه إلى أيّ اتفاق. وطرحت في الاجتماع عدة أمور بينها رفع أسعار السمك ومقاطعة التجار وإنشاء تعاونية، لكن جميع هذه النقاط بقيت أقوالاً ولم تتحوّل الى أفعال، والسبب انعدام وحدة الصف والكلمة.
وبالرغم من وجود تلك المشاكل إلّا أن الحلّ بسيط بنظر الصياد محمد حيمور: «إحياء النقابة وإنشاء تعاونية زراعية يتم من خلالها الحصول على تعويضات وإعانة من وزارة الزراعة وذلك يتطلب توحيد الصفوف».