رامي زريق
أصدر البنك الدولي في الأسبوع الأول من هذه السنة تقريره الدوري عن التطلعات الاقتصادية العالمية لعام 2008. ويسلط التقرير الضوء على ضرورة التطور التكنولوجي، وخصوصاً في البلدان النامية، كما يشير إلى أن التطور التكنولوجي السريع الذي شهدته تلك البلدان أدى إلى رفع المداخيل الفردية وتقليص عدد الذين يعيشون في حالة الفقر المدقع من 29% عام 1990 إلى 18% عام 2004. ويعطي التقرير أمثلة عدة، منها أن انتشار الهواتف الخلوية لدى الفقراء في الهند ساعد على تحسين معيشتهم.
بعيداً عن التشكيك في دقة تلك الأرقام وفي صحة العلاقة المباشرة التي تربط خفض مستويات الفقر بانتشار التكنولوجيا، هناك تساؤلات عن مدى ارتباط انتشار التكنولوجيات الحديثة بنمط الاقتصاد العالمي السائد. فهذا النمط يرتكز على التبادل المفتوح بين منتجي التكنولوجيا، أي البلدان المتطورة اقتصادياً وشركاتها العملاقة، بمستهلكي التكنولوجيا، أي البلدان المتخلفة اقتصادياً، لتصبح بذلك العولمة الاقتصادية هي المحرك الأساسي لنشر التكنولوجيا. تحقق الشركات العملاقة المتعددة الجنسية أرباحاً هائلة، إذ إن ما تصدرّه لتلك الأسواق العطشى في العالم الثالث يقتصر على منتوج التكنولوجيا، لا التكنولوجيا بحد ذاتها. وقد سنّت الدول العظمى وشركاتها العملاقة قوانين لحماية ما تسميه الملكية الفكرية وأنزلتها في كتبها المقدسة ضمن آلية منظمة التجارة الدولية، وتهافتت البلدان الضعيفة مثل لبنان، إلى توقيع تلك الاتفاقيات التي تحمي مصالح الغني والقوي على حساب الفقير والضعيف. وهناك أمثلة بالمئات توضح هذا الواقع، أسطعها رفض شركات الأدوية العالمية المدعومة من الدول العظمى السماح لشركات محلية أفريقية بتركيب علاجات مرض الإيدز في أكثر البلدان حاجة إليه، محتمية خلف براءات الاختراع، ناسية اهتماماتها المزعومة بالفقر والفقراء.