راجانا حميّة
لا تزال قضايا دمج الإعاقة أسيرة مسوّدات في سجلّات الوزارات المعنيّة، سواء منها التربية والتعليم العالي أو الصحّة العامّة، فالمعوّقون أو «ذوو الاحتياجات الإضافية» تنقصهم قوانين تحميهم ومجتمع يراعي ظروفهم التي وضعتهم ضمن الخانات المهمّشة، وأجبرتهم على قبول التهميش ريثما تنتهي من بناها الأساسيّة «العاديّة»

لم يجد ذوو الاحتياجات الإضافية في خطط الوزارات المعنية ما يحفزهم على الأمل. ورغم المطالبات المتتالية والملحّة لشريحةٍ لا يقلّ عددها عن 62 ألف مواطن «معوّق» الحياة التي باتت حكراً على من يصفونهم بالأشخاص «العاديين»، وصدور القانون رقم 220/2000، لا تزال اهتمامات المعنيين والرسميين في الدولة مصوّبة باتّجاه خططٍ أخرى، تحتلّ القضايا السياسيّة سلّم أولوياتها. وإن تخطّتها، فباتجاهاتٍ معروفة تلحظ في بنودها شرائح المجتمع كافّة باستثناء الـ62 ألفاً.
وفي إطار مشروع دمج قضايا الإعاقة في خطط الإصلاح والنهوض، نظم اتحاد المقعدين اللبنانيين وجمعية الشبيبة المكفوفين ندوة في فندق كراون بلازا حيث وجد ذوو الاحتياجات الإضافية أنفسهم معنيين بإعادة التذكير بحقوقهم التي ضمنتها شرعة حقوق الإنسان والمعاهدات الدوليّة، وتحليل مسوّدات الخطط التي انبثقت عن مؤتمر باريس ـــــ3. لكن ما لم يكن في الحسبان أن تأتي الخطط خالية من أيّ ذكرٍ لحقوق هؤلاء، أو هي حقوق مخفّفة تراعي الميزانية والوضع اللبناني المهترئ.
في المجال التربوي، لم تراع السياسات الخمس العامّة التي يضمّها التقرير الأوّلي والأهداف الاستراتيجيّة والقيم وجود هذه الفئات، وهو ما دفع برئيس جمعيّة المكفوفين عامر مكارم إلى التساؤل عن مصير الطلّاب المعوّقين والعاملين في الحقل التربوي إذا ما «تلقّى الباريسيّون هذه النسخة». وقد تمحورت سياسات وزارة التربية في سبيل تدعيم هذا القطاع حول إطار القيم الأساسيّة العامّة التي تلتزم الوزارة بها وترشيد إدارة واستخدام الموارد الماديّة من مدارس ومرافق ودور الموارد البشريّة في الإدارة والتعليمإضافة إلى رفع مستوى الفاعليّة لنظام التعليم العام. وإن كانت تلك السياسات فد اعترفت بأحقّية التعليم وإتاحته أمام الجميع من دون تمييز وتحقيق المساواة من أجل تمكين ذوي الاحتياجات الإضافية من الالتحاق بالمراحل التعليميّة، إلاّ أنّ أهدافها الاستراتيجيّة لم تكن واضحة بما يكفي، ليجد المعوّقون بنودهم فيه، فكانت غالبيّتها موجّهة عموماً في سبيل تطوير البنية التعليمية بأقلّ تكلفة ممكنة. وركّزت في معظمها على حقّ التلامذة بالالتحاق بالتعليم وبناء وتطوير القدرات المؤسساتية للمديرية العامّة للتربية، وإصلاح بنيتها الوظيفيّة وتحديث الهيكليّة لتشمل الإدارات والوظائف الغائبة، إضافة إلى تعزيزها بالموارد البشريّة الكفوءة. وكذلك طرحت من ضمن الأهداف، تعزيز الإدارات والمؤسسات التعليميّة بالقدرات التكنولوجيّة ووضع خريطة من أجل توزيع عادل لفرص الالتحاق في المراحل التعليميّة والحصول على مساندة المجتمع المحلّي للخريطة المدرسيّة...
وفيما لم تنج بنود الخطّة من لوم ذوي الاحتياجات الإضافية الذين يخافون من بقائها على غموضها، أشارت ممثّلة المركز التربوي للبحوث والإنماء مارتا تابت إلى أنّ الخطّة ليست نهائية، وهي مطروحة للنقاش، وأنّ كل هدف من أهدافها هو مشروع خطّة، مطالبة، في الوقت نفسه، تضافر الجهود من أجل تحقيق الخطط التي لا تزال عند حدود المسوّدات، وخصوصاً أنّ إمكانات الدولة وديونها وعجز موازناتها تقف حائلاً أمام تنفيذ أي خطّة. وفيما رأت تابت أنّ السياسات التنمويّة تستثني في غالبيّتها حقوق المهمّشين، حمّلت المسؤولية لغياب الدراسات والأبحاث والتباين في وجهات النظر حول مفاهيم الإعاقة، وتضيف إليها سلسلة مشاكل تتعلّق بعدم تهيئة البيئة الملائمة لاستقبال التلامذة من ذوي الاحتياجات الإضافية وتحديد شروط التحاق جميع التلامذة في المراحل التعليميّة والمدارس. وتطرّقت تابت إلى تجربة المدارس الدامجة، مشيرة إلى أنّ العمل المطلوب الآن خوض تجربة أخرى في إعادة النظر بالمناهج التربويّة لتتواءم مع حاجات هؤلاء الطلّاب. وفي موازاة التعديلات التي يجريها المعنيّون على الخطّة، لفتت تابت إلى سلسلة مشاريع يبدأها المركز التربوي، إذ يطلق بعد شهر حملة توظيف اختيار معلّمين متخصّصين للاستشارة وكيفيّة التعاطي مع ذوي الاحتياجات الإضافية، وإعادة النظر في البرامج التربويّة، إضافة إلى الدراسة التي يجريها مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة حول تحديد عدد من المدارس الدامجة في كل منطقة، بمساعدة المؤسسات الخاصّة لتجهيز مدارس دامجة رسميّة. لكن سلسلة النشاطات لم تمنع تابت من الاعتراف بالطموح الذي تعمل وفقه الوزارات المعنيّة والمركز التربوي، إلاّ أنّها تعوّل في الوقت ذاته على جهود الجمعيات والمهمّشين أنفسهم لإنقاذ حقوقهم.