إبراهيم الأمين
بات وضع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى صعباً إلى حد أن فريقي النزاع في لبنان ومن خلفهما القوى الإقليمية يبحثون في ترضيته والوقوف على خاطره. وهو ما حصل عليه أمس بالاجتماع الذي عقد في المجلس النيابي برعايته وحضور كل من العماد ميشال عون ممثلاً المعارضة والرئيس أمين الجميّل والنائب سعد الحريري عن الأكثرية. لكن صورة اللقاء تنطوي على ما فيه وما بعده: موسى يعرض كتفيه لحمل انتصار، ولو بالشكل. وسيقول غداً للجامعة العربية وكل من يسأله إنه حقق معجزة بجمع الأطراف، ولكن ليس في يده أن يقنعهم بالتوافق على حل. إلى يساره الرئيس الجميّل لكونه حقق انتصاراً إضافياً بأن اختارته قوى الأكثرية ممثلاً للشريك المسيحي في لقاء 14 آذار. فيما يمسك كل من عون والحريري بزاويتين تشيران من خلال تعاملهما مع كاميرات المصورين إلى حقيقة ما في جعبة كل منهما من مواقف تمنع التوافق في هذه اللحظات.
وفي نهاية الأمر، لن يكون صعباً على موسى القول إنه حقق هدفاً كبيراً واختراقاً. كما سيكون من الصعب عليه التحدث عن انفراج يقود إلى حل قريب. والسبب هنا أنه يدرك، لأسباب مختلفة، أن الوقت لم يحن بعد للصفقة الكبرى، وأن المساعي الجارية لا تتطابق والمواصفات الجديدة للحل. وبالتالي فإن النتيجة الوحيدة العملية من كل ما يحصل الآن هي: استراتيجيا الخروج من مرحلة ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية.
في المقلب الآخر، يستمر البحث عن طريقة التعامل مع الملف اللبناني. تورّط المصريون والسعوديون في مواقف حوّلتهم إلى طرف يصعب عليه إدارة انتخابات رئاسية توافقية. ومع أن المصريين نجحوا في حفظ خطة ترشيح قائد الجيش لثلاثة شهور، فقد فشلوا في حماية هذا الترشيح لثلاثة شهور أخرى. فيما تبدو السعودية أمام استحقاق أكبر يتصل بالمساعي الدولية الخاصة بلبنان. فهي إذا غطّت تدويلاً يفجّر لبنان فسوف تنال نصيبها من الفوضى والأثمان السلبية، وإذا تراجعت فسوف تترك فريقها منهمكاً في لملمة أوراقه وتحويل ما أغدقته عليه من أموال إلى الخارج. فيما تظل الساحة متروكة لخطر الفوضى من جهة أو لفرصة تفاهم جدية بين فرنسا وسوريا وفق تفويض أميركي مُرَسْمَل بطريقة جدية.
ولذلك فإن البحث يحتاج للعودة إلى الوراء قليلاً، والتبصّر في ما آلت إليه المساعي السابقة، وما نتج من المحادثات غير المعلنة القائمة على أكثر من محور، وأهمها القائم بين سوريا وفرنسا، رغم كل الكلام المرتفع الذي صدر عن الفريقين. وحيث تناهى إلى مسامع جهات لبنانية بارزة من المعلومات ما يتيح تصور الاستراتيجيا الجديدة التي تستهدف حلاً يقوم على سلة تفاهمات سورية ـــ دولية، وعلى سلة اتفاقات لبنانية ـــ لبنانية. وهذا ما له روايته.
منذ أكثر من عشرة أيام وأقل من أسبوعين، ناقشت الدوائر المعنية في الرئاسة الفرنسية تقريراً عن المحادثات التي أجراها فريق الرئيس نيكولا ساركوزي مع الجهات المعارضة في بيروت، ومع القيادة السورية. وكان أبرز الخلاصات يفيد بأن ترشيح العماد سليمان لم يعد محل إجماع، وأن رسائل واضحة تلقّتها العاصمة الفرنسية بهذا الخصوص، بينها كلام عن أن قائد الجيش يتصرف «كأنه مدين لفريق 14 آذار ولقوى عربية ودولية بوصوله إلى الرئاسة، وأنه يتصرف بطريقة تثير ريبة فريق المعارضة لناحية تفهمه من جهة لحاجتها الاستراتيجية إلى الثلث الضامن وتجاهله ذلك في المحادثات الجارية بعيداً عن الأضواء، وأنه يطالب المعارضة بأن تتنازل له عن وزير وتقايضه بالثقة به، ولا يطلب من فريق 14 آذار التنازل له».
وبحسب الرواة، فإن الأمر تجاوز هذا الحد في ما يتعلق بأمور أخرى، «إذ كيف يقبل سليمان أن ترشّحه عواصم خارجية لديها مشكلات كبيرة مع قوى لبنانية بارزة ومع دمشق أيضاً؟ وكيف يقبل أن يُرسم سيناريو استخدام موقعه في معركة إضعاف العماد ميشال عون، وهو الذي لطالما أقر بأن عون يمثل الغالبية المسيحية وأنه شريك واقعي للقوى الإسلامية الأخرى؟».
وإذ يتحدث الرواة عن أمور أخرى لا تقل تعقيداً وخطورة، يكشفون عن تطور في الموقف الفرنسي لناحية الاقتناع بأن سلة التفاهم على أساس وصول سليمان إلى قصر بعبدا ليست في طريقها إلى النجاح، وأن هناك حاجة لإدخال تعديلات جوهرية على خطة العمل. ويقول الرواة إن باريس التي عطّلت مساعيها تدخلات أميركية وسعودية ومصرية، ترى أن من المفيد لها انتظار استكمال موسى مبادرته العربية. وعندما تخرج نتائجها السلبية في وقت قريب جداً، تبادر باريس إلى تنشيط اتصالاتها مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر تحت عنوان أن الحل يحتاج إلى صفقة جدية مع سوريا، ما يعني أنه يجب أن تحصل فرنسا على تفويض كامل من هذه العواصم حتى تقدر على التوصل إلى تفاهم متين مع دمشق، وإلى صيغة سياسية لبنانية من النوع الذي يمنح المسيحيين في المعارضة دوراً أساسياً لا هامشياً.
وبحسب الرواة، فإن الأمور ستكون أمام خيارين: إما أن تحصل فرنسا على جواب سلبي من واشنطن أولاً ثم من الرياض والقاهرة، وبالتالي فإنها سوف تبلغ الجميع بأن انفجار الوضع في لبنان أمر وشيك الحصول، وإما أن تحصل على التفويض الذي يتيح لها العودة إلى البحث في اسم جديد للرئاسة يكون قادراً على الاحتفاظ بمسافة متساوية مع الأطراف كافة، وعلى نيل ثقتها بإدارة البلاد في مرحلة انتقالية تحسمها الانتخابات النيابية المقبلة. المعنيون بالملف اللبناني في فرنسا اليوم هم الفريق الموجود في الرئاسة لا في وزارة الخارجية، وهؤلاء يناقشون شخصيات وجهات عديدة قبل التقدم بإطار جديد ومقاربة جديدة للحل الذي، إذا جرى التوصل إليه سريعاً، سيتعيّن على القوى الخارجية تسويقه مع الأطراف اللبنانيين قبل تحويله إلى نتائج ملموسة. وهو اختبار يحتاج الإعداد له إلى وقت، يتخلله الوقت الضائع الذي خصّص منذ زمن طويل لرجل واحد اسمه: عمرو موسى!