strong> ديما شريف
•أحزاب جديدة قديمة تعيد إنتاج نفسها للخروج بمظهر أكثر عصرية
قد لا يخلو تاريخ أي حزب لبناني، قديم أو حديث، من حركات استقلالية أو انشقاقية شكّلت تجمعات مناوئة لمسيرة الحزب الأصلي أو بقيت في الإطار السياسي نفسه. أحزاب عريقة عمرها أطول من عمر الاستقلال، وأخرى لم يمض أكثر من عقد على إنشائها، عانت عمليات «انشقاق»، «انفصال» أو «إنقاذ»

اختلفت التسميات والنتيجة واحدة في اليمين كما في اليسار: ظهور أحزاب جديدة في لبنان تتنافس على استقطاب المناصرين، وتسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية ومناصبية في الدولة. أغلب وجوه هذه الأحزاب الجديدة مجترّة من ماضي مَن أدارت له ظهرها. ابتعدت عن حاضرٍ لم «ينصفها» داخل الحزب أو خارجه فسعت إلى الاستقلال بحثاً عن بعض التقدير أينما وجد.
طاولت الانشقاقات اليسار، فالحزب الشيوعي عانى في تاريخه خضّات وهزّات كان أبرزها حركة الإنقاذ التي تمخضت عن حركة الإنقاذ والتغيير، وحركة اليسار الديموقراطي. وشكل تأسيس اليسار الديموقراطي صدمة تنوّع تأثيرها لدى الشباب الشيوعي. منهم من لا يزال «حاقداً» على الرفاق السابقين لما فعلوه، ومنهم من رأى التجربة إيجابية للتنوع الفكري اليساري في لبنان.
وبغضّ النظر عن الصدى لدى الجمهور الماركسي، مثّلت الحركة قطيعة مع «الشيوعي» الذي كان مصدر عدد كبير من أعضائها. وبرز الخلاف بين الحزب والحركة منذ البداية، وخصوصاً بعد انضمام الأخيرة إلى لقاء البريستول. واستمر بعد 14 شباط 2005 وذوبان الحركة في 14 آذار وعدم تميّزها عن القوى الرئيسية فيه. وتصاعدت الاتهامات من أركان الحركة لقيادة الحزب بالعمالة لسوريا تحديداً بعد اتهام الحزب لإسرائيل باغتيال جورج حاوي.
وفي المقابل مثّلت الانتخابات النيابية الأخيرة، ونقل الأمين العام للحركة الياس عطا الله ترشيحه من الشوف إلى طرابلس بناء على طلب من قوى 14 آذار، سبباً إضافياً لنقمة الشيوعيين على «اليسار» باعتباره لا يملك قراره الخاص ويتلقى أوامره من 14 آذار. لم يجد «اليسار» صعوبة في استقطاب مناصرين، فقد مثّل متنفّساً لكل من يرى نفسه يسارياً غير شيوعي، أو من كان شيوعياً ولم يعد ماركسياً. ورغم أن الطريق كان معبّداً أمامه للانطلاق، صادفته مطبات وطاولته شائعات كان أبرزها الحديث عن أن الشهيد سمير قصير كان يحضّر قبيل اغتياله لحركة انفصال عن الحركة نظراً الى ابتعادها عما كان مخططاً لها أن تكون. ووجّه الياس خوري وزياد ماجد بياناً إلى رفاقهما في الحركة أثناء حرب تموز «للتذكير بثوابت يؤسفنا أن تغيب عن بال بعض الرفاق»، فيما تنتقد كتلة «إلزم اليسار» في الحركة باستمرار ما يحصل نقداً إيجابياً ديموقراطياً، وقد اعترضت أخيراً على عدم تسجيل أمين سر الحركة أي اعتراض حيال قرار 14 آذار الموافقة على تعديل الدستور لانتخاب العماد سليمان رئيساً، دون الرجوع إلى الهيئة الوطنية في الحركة مخالفاً بذلك تراث الحركة الرافضة لوصول عسكري الى الرئاسة.
ولم يسلم تيار المستقبل من الرياح التغييرية التي تعصف بسائر الأحزاب اللبنانية. وتكثر الأحاديث منذ ما بعد 14 شباط عن انشقاقات ستحصل في البقاع أو الشمال، والسبب امتعاض من تصرفات أشخاص داخل التيار وليس نقمة على السياسة العامة للتيار أو آل الحريري. وتقول الشائعات إن إحدى الحركات الجديدة ستسمى تيار الرئيس الحريري، أو حزب رفيق الحريري، أو ما شابه.
وكانت قد ظهرت في الشمال بعد 14 آذار، حركة جديدة تدور في فلك التيار وهي «شباب التغيير لأجل الحق والديموقراطية»، مؤسسها علي الغول وهو من الضنية، وكان عضو المكتب السياسي ومسؤول شؤون الجامعات في الشمال في تيار المستقبل. فُصل الغول من التيار إثر مشاركته في حلقة لبرنامج «كلام الناس» من تلفزيون «ال.بي.سي» ممثلاً عن شباب 14 آذار، هاجم خلالها حزب الله معتبراً أنه ليس حزب مقاومة. فردّ الوزير أحمد فتفت في مؤتمر صحافي أن الغول كان يعبّر عن رأيه الشخصي وطُرد مع مجموعة آزرته.
الغول يقول إنه تلقى تهديدات من بعض مسؤولي التيار ليتراجع عن قراره بتأسيس حركته، وبعد تدخل من مستشاري النائب الحريري غيّر اسم حركته الذي كان في البداية «الحركة الإصلاحية لتيار المستقبل». وبعد سنة وثمانية أشهر على انفصاله عن المستقبل ما زال في انتظار لقاء مع زعيم الأكثرية سعد الحريري.
الحركة التي ترى نفسها جزءاً من 14 آذار، تعمل في عكار والضنية والمنية، وتقوم بزيارات الى المرجعيات الدينية. ويقول الغول: «لقد تبنّى التيار اليوم الحديث الذي تسبب بطردي، والاستنتاج هو أنهم في وقتها كانوا إما يكذبون أو خائفين». ويتابع أنهم يسعون وراء المكاسب دون التقيد بمبدأ، «كانوا يرون العماد سليمان عميلاً لسوريا والآن يرونه بطلاً».
بدوره شهد التيار الوطني الحر انشقاقاً. فبعد فترة من عودة العماد عون إلى لبنان انشقّ بسام الآغا عن التيار وأسس الحركة اللبنانية الحرة. ويقول الآغا إن سبب انقلابه على التيار يعود إلى فرض القيادة عليه إدخال منتسبين جدد كانوا في حزب البعث «أقلهم كان مخبراً للسوري زمن الاحتلال وشريكاً له في السرقة».
وفي مؤتمر صحافي في ت2 2006، صرّح بأن التيار لم يشارك فعلياً في تظاهرة 14 آذار فهو، تلقى تعليمات من القيادة بجعل المشاركة على مستوى فردي لا على مستوى القاعدة.
ويرى الآغا أن عون «يسوّق الحقد ويسعى إلى مشروع انقلاب على الحكم بعدما ربط مصيره بحزب الله وسوريا وإيران». ودخلت الحركة مباشرة بعد استقلالها عن العونيين في تجمع 14 آذار دون أن تبرز في ميدان النشاطات والمواقف السياسية والإعلامية، فيما نرى مؤسسها في مؤتمرات صحافية لغيره من زعماء 14 آذار مثل الوزير محمد الصفدي.
أحزاب أخرى عانت الانقسامات. ومن المؤكد أن أحزاباً حالية ستعاني هذا الأمر في المستقبل، وقد تشهد الأحزاب الجديدة المنشقّة أيضاً انقسامات فيها، فلا ثابت إلا القدرة على التغيير.



تناسل حزبي

أحزاب عديدة خرجت من رحم أخرى وتجربة الأحزاب اللبنانية عريقة في هذا الشأن. كان حزب البعث العربي، بفرعه اللبناني، أول من شهد انشقاقات، إذ «أصبح له تنظيمان: سوري وعراقي بعد القطيعة بين الحزبين والنظامين في كل من سوريا والعراق. في المقابل، أعطى حزب الكتائب القوات اللبنانية ما تحتاج إليه للانطلاق، فيما واصلت القوات طريقها الذي تعثر مع دخول زعيمها إلى السجن. في نيسان 2007 أطلق أكثر من ألف قواتي «جبهة الحرية» بقيادة فؤاد أبي ناضر الذي تنقّل بين الأحزاب الثلاثة في مواقع رئيسية. وتعارض مجموعة «قدامى نمور الأحرار» بقيادة عبد الله بوب عزام وجورج الأعرج رئيس الأركان السابق في الميليشيا، قيادة رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون بحجة أنه «تحالف مع قَتَلَة داني شمعون».