strong>عفيف دياب
•الحزبان يؤكّدان بقاء التقارب رغم انعدام تواصل القواعد

لماذا لم يكتب النجاح للتفاهم المشترك الموقّع بين التيار الوطني والحزب الشيوعي اللبناني الحر أسوة بنظيره (شكلاً) مع حزب الله؟ فبعد مرور أكثر من سنة على توقيع التفاهم دخلت
«الوثيقة» طي النسيان، حتى إن بعض المسؤولين في الحزبين استغربوا وجود تفاهم كهذا.


في السابع من كانون الثاني 2006 وقّع الحزب الشيوعي اللبناني والتيار الوطني الحر «ورقة» الاتفاق والتفاهم على التوجهات المشتركة بينهما على غرار ورقة التفاهم التي وقّعها التيار مع حزب الله، والتي تحوّلت لاحقاً الى ما يشبه «طائفاً» خاصاً يحكم العلاقة بين الحزب الشيعيّ والتيار ذي الأغلبية المسيحية، على عكس ورقة التفاهم بين الأخير والشيوعي التي لم يكتب لها النجاح وتحوّلت إلى أثر بعد عين وبقيت حبراً على ورق حسب قول عدد من الشيوعيين الذين يرون أن «فشل» البناء على أسس ورقة التفاهم مع الوطني الحر «عودة» التيار إلى موقعه المسيحي الطائفي رغم ميثاقه وما تقوله مبادئه العلمانية.
ويقول الناشط في الحزب الشيوعي جاد رزق إنه قرأ عن ورقة التفاهم مع التيار الوطني الحر في الصحف و«تابعناها عبر أُطرنا التنظيمية، لكن للأسف لم تترجم أفعالاً من خلال اللقاءات والتحركات المشتركة لتطوير هذا التفاهم نحو بناء مجتمع مدني». ويضيف رزق إن ورقة التفاهم هي اليوم «على الرف»، معرباً عن اعتقاده بأن أسباب فشلها أو عدم ترجمتها فعلياًَ تعود إلى «وضع التيار الوطني الحر وانصباب نشاطه السياسي والشعبي على حقوق المسيحيين في الدرجة الأولى، رغم اقتناعنا بأن العماد ميشال عون ليس طائفياً ونحبّذه زعيماً وطنياً لا زعيماً طائفياً».
كلام رزق يخالفه الناشط في التيار ميشال ابو نجم، الذي يشدّد على أن ورقة التفاهم مع الحزب الشيوعي اللبناني «لم تمت»، مؤكداً أهمية «اللقاءات والتواصل الدائم بين قواعد التيار الوطني واليسار اللبناني بشكل عام»، لكنه يرسم سؤالاً كبيراً عن «مدى تمثيل الحزب الشيوعي لليسار في لبنان»، مشيراً الى أن هنالك «نقاطاً سياسية مشتركة عديدة تجمع الحزب الشيوعي والتيار ويمكن البناء عليها مع كل اليسار اللبناني». ويضيف أبو نجم إن ورقة التفاهم مع الحزب الشيوعي «تعرضت لمعوقات حالت دون تنفيذها في حدها الأدنى بين قواعد الحزبين»، لافتاً الى أن «التيار الوطني يُعدّ الحزب اليساري الأكبر في الشارع المسيحي والحزب الشيوعي هو يسار المسلمين تقريباً».
لكن ماذا تقول قراءة مراجع عليا في الحزب الشيوعي والتيار الوطني في ورقتهما؟ ولماذا لم يكتب لها النجاح؟ ومن المسؤول؟
يقول نائب الأمين العام للحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني إن ظروف إعلان الاتفاق والتفاهم والتوجهات المشتركة مع التيار الوطني قبل اكثر من سنة جاءت «ثمرة حوارات ثنائية على مختلف المستويات، وبرز فيها تقارب كُرّس بجهد ثنائي وصياغة التوجهات المشتركة دون تجاهل لما هو راهن في السياسيات المحلية والنزاعات المباشرة، وركّزنا على إقامة دولة مدنية، ورجحنا النسبية في قانون الانتخاب باعتبارها الأفضل، إلى أمور أخرى موجودة في ورقة التفاهم التي فيها الآني والمستقبلي». ويوضح مزرعاني رداً على سؤال عن «مصير ورقة التفاهم اليوم»، أن الحزب الشيوعي يقدّر الصعاب التي يمر بها التيار الوطني الحر، مضيفاً إن «الوضع الداخلي المتأزّم وتفاقم الصراع الكبير على موقع لبنان في المنطقة والنزاع على السلطة وتوجهاتها ونسب الحصص فيها، أمور أدّت الى أن يتجه التيار نحو أولويات مباشرة واقترب أكثر نحو حركة «أمل» وحزب الله بعد خروجهما من الحكومة وباتت الأولويات عند التيار الوطني صياغة التوازنات».
لا يخفي مزرعاني حجم الضغوط التي يتعرض لها التيار الوطني الحر لعزله عن شارعه «مما اضطره إلى تبنّي مطالب قديمة، وأصبحت الأولوية عنده اليوم هي الدفاع عن موقعه في الشارع المسيحي، وعن مشاركة المسيحيين في السلطة، ونحن لا نتجاهل تردّي الوضع اللبناني الذي انقسم الى مجموعة نزاعات استنفرت فيها القواعد الطائفية والمذهبية واضطر التيار الوطني الى أن يساير هذه الموجة». ويختم مزرعاني بالقول: «نعتقد أن التفاهم المشترك مع التيار الوطني الحر ما زال قائماً، لكن ظروف التيار والبلد لا تسمح اليوم بتطوير هذا التفاهم».
وفي مقابل هذا التأكيد الشيوعي يشدّد التيار بدروه عليه أيضاً و«إن لم يتقدم كثيراً». ويقول المسؤول في التيار الدكتور ناصيف قزي إن الظروف الحالية التي تعانيها البلاد وتسارع الأحداث «أخّرت عملية استكمال التوجهات المشتركة مع الحزب الشيوعي، ونحن على تواصل دائم مع الحزب وقواعده في مختلف المناطق وإن تراجعت نسبياً نتيجة الظروف الحالية»، مؤكداً أن التواصل ما بين التيار والشيوعي «هو اليوم حاجة ضرورية أكثر من الماضي حتى نصل الى مجتمع مدني رغم كل ما يطرح من تساؤلات عن مواقف التيار اليوم، فأدبياتنا مدونة وتؤكّد توجهاتنا الرافضة للطائفية والمذهبية». وعن مفهوم التيار للتلاقي مع اليسار اللبناني يوضح قزي أن «اليسار في لبنان اليوم متعثر، وعليه أن يجدّد شبابه، ونحن نتفق مع اليسار بمفاهيمه على التغيير والعدالة الاجتماعية، ورفض الإقطاع المالي والسياسي والديني». مؤكداً أن «التفاهم المشترك» الموقّع مع الحزب الشيوعي له «مستويات عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، إضافة الى موقفنا المشترك من القضايا الكبرى، لكن للأسف لم تنجز كلها لأسباب موضوعية».



من الوثيقة

«معالجة الازمة الراهنة الناجمة عن الاستئثار الذي تمارسه فئة استغلت ظروفاً طارئة وكونت اكثرية برلمانية تحاول استخدامها بما يتعارض مع احكام الدستور. والطرفان يطالبان بالتفاهم على تشكيل حكومة مؤقتة واسعة التمثيل توكل اليها صلاحيات تشريعية استثنائية لوضع قانون انتخابي يعتمد قواعد عصرية في التمثيل، منفتحة على كل الاشكال، وبشكل خاص النسبية، ولاجراء انتخابات نيابية مبكرة. ويؤكدان ان معالجة الخلل في النظام السياسي اللبناني يفتح ثغرة باتجاه بناء الدولة المدنية العلمانية والديمقراطية التي توحّد اللبنانيين على اساس المساواة في ما بينهم، والمدخل إلى هذا الامر بعد اقرار القانون الانتخابي العصري وتطبيقه، وتطبيق احكام الدستور وتطوير الثقافة الوطنية لجهة تجاوز الطائفية، وبشكل متدرج».