إبراهيم الأمين
ليست مهمةً بقدر كبير متابعة مهمة عمرو موسى. ليس لأن الرجل لا يملك القدرة على التواصل بين الأطراف المعنية محلياً وخارجياً، بل لكون من بيده الأمر يفكر في أمر آخر ومهلة أخرى وأفكار أخرى. وحتى ذلك الحين، سوف يكون هناك المزيد من الاجتماعات والاتصالات والتحركات الداخلية والخارجية. وسوف يكون هناك المزيد من المواقف المرحبة أو المشككة كما المتفائلة والمتشائمة، وسوف يكون هناك المزيد من المواقف التي تتبادل الاتهامات بشأن من يريد ومن لا يريد أن يسهل الأمور. مساء أمس مثلاً، وفيما كان مساعدون للأمين العام للجامعة العربية يعقدون اجتماعات مع ممثلين عن فريقي الموالاة والمعارضة، كان النائب سعد الحريري يبلغ زواره بأن «علينا ألا نفقد الأمل، ولكن لا نعرف إذا كان بمقدور موسى الحصول على أجوبة سورية من النوع الذي يسهل الحل أو لا، لأن فريق المعارضة في بيروت لا يبدو قادراً على اتخاذ الموقف، فقد سرنا في محادثات مع الرئيس نبيه بري، ثم جاء من يقول إن العماد ميشال عون هو المفوّض بالحوار، وأمس جلسنا مع عون وإذا به لا يجيب عن مقترحات محددة، ويقول لنا إنه سوف يعود الى الحلفاء للتشاور، ما يعني أنه ليس مفوّضاً أو أن المعارضة لا تريد الوصول الى حل».
بالطبع، لم يكن الحريري في موقع القادر على الإجابة عن سؤال محدد: هل تتنازلون لمنع الانفجار، لأنه كان يناقش من زاوية أن فريق 14 آذار قدم الكثير من التنازلات، وهذا على الأقل ما سمعه منه دبلوماسي في بيروت قال إن الحريري عدّد خطوات «قام بها فريق الأكثرية في إطار التنازل لأجل الحل، من الاستغناء عن المرشحين المباشرين أو عن المرشحين الأقرب الى الأكثرية الى القبول بمبدأ الثلثين في الانتخاب الرئاسي، وصولاً الى القبول بسلة حل شاملة، ولكن يبدو أن هناك من لا يريد أي حل يترك لنا القدرة على التحكم بقرارنا، بل يريدون منا التنازل حتى عن حقنا الدستوري بالحصول على أغلبية المقاعد الوزارية في الحكومة».
لكن موقف الحريري هذا لا يحمل جديداً من حيث نوعيته، لكنه يوضح من حيث توقيته أن الأمور لم تتبدل نهائياً، وأن مبدأ المقايضة لأجل التوصل الى تسوية ليس موجوداً في حساب فريق 14 آذار، ولا سيما أن حليف الحريري النائب وليد جنبلاط كان قد أبلغ المقربين منه من سياسيين ومن كوادر في الحزب والطائفة والميليشيا بأنه سوف يعود الى رفع سقف الخطاب، لكن من دون أن ينعكس ذلك على الأرض لأنه لا يريد مواجهة الآن. وعند التدقيق معه عما إذا كان في ذلك تكتيك يهدف الى تحسين الشروط قبل التسوية، كان جوابه بعد زيارة ملهمه الأميركي الجديد إليوت أبرامز، أن الموقف يرتبط بأن التسوية لن تقوم دون الحصول على ما يجب الحصول عليه من مواقع تتيح تحقيق أمور كثيرة، منها إبقاء مواقع النفوذ في السلطة لمواجهة رغبة الآخرين في سحقنا!
من الجانب الآخر، كان الرئيس بري يقف في خانة وسطية تتيح لفريق الأكثرية التواصل معه بقصد تحقيق تسوية، ربما تكون صعبة مع الآخرين من أركان المعارضة، ولكن بري الذي يتعرض علناً وفي الغرف المغلقة لأعنف حملة من فريق الأكثرية ومن قوى عربية داعمة له، بات يعرف أن هناك من لا يريد الحل، بل يريد نسف المساعي الوفاقية، وهو يعتقد بأن من يرفض التحاور مع عون لا يريد التوصل الى حل، وأن الحجة المستخدمة بأن عون لا يريد أن يصل أحد غيره الى قصر بعبدا لا تعكس واقعية سياسية لجأ إليها عون عندما أدرك أن المتغيرات في لبنان ومحيطه تفرض الإتيان برئيس توافقي، وأن عون يقدر على التفاوض والتوصل الى اتفاقات، وسوف تكون ممثلة لرأي كل قوى المعارضة. وبالتالي، فإن بري يعرف مناورات فريق الأكثرية الهادفة الى رسم الإطار والتفاصيل بحسب مصالحه ورغباته، وهو لذلك صارح عمرو موسى الى حد الملل بأن الأمور الداخلية ليست حقيقية، لأن في فريق 14 آذار من لا يقدر على بتّ أمره من تلقاء نفسه، وأن على العرب بذل الجهود لترتيب الأمور بين سوريا والسعودية حتى تقتنع الأخيرة بحل تفرضه فرضاً على حلفائها في بيروت وليس العكس.
وإلى حين تبلور هذه الصورة، فإن المواقف المتوقعة خلال الساعات الـ24 المقبلة سوف لن تكون من النوع الذي ينسف المحاولات الساعية الى التواصل بين الأطراف كافة، لكن التنازلات التي يريدها موسى من جانب المعارضة ليست ممكنة التحقق ما دام لا يملك القدرة على منح المعارضة الضمانات العملانية الخاصة بالشراكة الحقيقية في المرحلة المقبلة، ولا سيما أنه أثار غيظ المعارضة وحفيظتها أول من امس حين استغل سؤالاً صحافياً في مجلس النواب ليطلق موقفاً من تفسير البند الثاني من المبادرة العربية بطريقة تؤدي عملياً الى نسف المسعى الوفاقي الذي يقوم به.
لكن، هل كل ما يحتاج إليه الحل يجري في حلقة موسى وصحبه الكرام؟
بالتأكيد لا، وهو أمر تؤكده مصادر وثيقة الصلة بدوائر عربية وغربية تعمل من دون توقف على بلورة إطار جديد لمقاربة المشكلة الرئاسية اللبنانية، وهو الأمر الذي بدأ الفرنسيون يشيرون إليه همساً، وخصوصاً الجانب المتعلق باللعبة الوفاقية الكاملة، وآخر ما وصل من باريس، أن فكرة الحل الشامل باتت شرطاً أساسياً، وأن التساوي في الواجبات والحقوق بين الفريقين بات شرطاً إضافياً لخلق مناخ من الثقة يتيح التوصل إلى حل قد يعيش لفترة من الوقت وقد يستمر حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وهذا ما يدفع الدبلوماسية الفرنسية الى انتظار نتائج مساعي موسى والجامعة العربية لكي يتم استثمار الإيجابي منها، والعمل على أساسه بغية تجاوز الثغر الكبرى. وهو أمر يعني برأي الجانب الفرنسي أن مهمة موسى ليس مقدراً لها من الأساس الوصول الى اتفاق، بل ربما يجب التعامل معها على أنها إشارة إضافية الى أن الحل الحقيقي يتطلب جهداً أكبر وضمانات دولية أكبر، ومساحة تفاهمات أوسع من الساحة اللبنانية.