صيدا ــ خالد الغربي
بعد 23 عاماً على محاولة اغتيال النائب السابق مصطفى سعد، لا يزال الملف من دون أي قرار قضائي. ويؤكد متابعون للقضية أن ما في حوزة القضاء كفيل باتهام لبنانيين بينهم من كان في موقع المسؤولية الرسمية والميليشياوية

تصادف اليوم الذكرى الثالثة والعشرون لمحاولة اغتيال زعيم التنظيم الشعبي الناصري مصطفى سعد «أبو معروف»، بعبوة استهدفت منزله في محلة الراهبات في صيدا عام 1985.
قبل الانفجار بأيام، يروي مقربون منه، كان سعد قد التقى أحد رجالات تلك المرحلة، حذّره الأخير فيها من إمكان اغتياله واستهدافه. شكر سعد ناقل الرسالة التي لم تكن يتيمة، كما تؤكد المصادر ذاتها، إذ سبقتها وتلتها نصائح ورسائل بالعشرات من قادة وأصدقاء، بضرورة الحذر والتنبّه، حيث كان سعد يجيبهم بالقول: «ما تخافوا عامل شوية تدابير ومفتّح عيوني منيح». عينا مصطفى سعد أطفأهما مساء الاثنين في الواحد والعشرين من كانون الثاني 1985 انفجار قوي أمام منزله، أدى إلى إصابات بالغة في رأسه ووجهه وكامل جسده الذي زرع بمئات «القطب». كما استشهدت زوجته وابنته وجاره محمد طالب، وخلّف الانفجار دماراً هائلاً وعشرات الجرحى من سكان الحي.
وأشار العديد من التقارير في حينها إلى أن تغييب سعد عن المسرح في فترة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من صيدا اكتسب أهمية بالغة ومتعددة الوظائف، لما كان سعد يمثّله من حالة وطنية جامعة، قد تكون عائقاً أمام مخططات أعدها الإسرائيليون لمرحلة ما بعد انسحابهم، بالشراكة الكلية مع أعوان لهم، تهدف الى خلق توترات وفتن وضرب نموذج العيش المشترك الذي تجسّده المنطقة.
وذكر عدد من المقربين من سعد أن الأخير كان قد شرع في لقاءات عدة لرسم صورة المرحلة اللاحقة. وقبل أسابيع قليلة سبقت حادثة التفجير، شارك في ندوة أقيمت في الجامعة اللبنانية في صيدا، فحدّد خياراته وجدول أعماله مكرراً ما كان قد قاله قبل أسبوع في حسينية حارة صيدا من «أن من أتى وراء الدبابات الإسرائيلية عليه أن يرحل معها». كما أضاف في تلك الندوةلاءات عدة: «لا لجيش فئوي، ولا يغرّنكم كلام وضمانات عن التركيبة المذهبية للكتيبة التي ستنتشر في المدينة، وعلينا ألا نقع في هذا الفخ». وذكر مقرّبون من سعد أن تلك الفترة «شهدت تسويق مراجع سياسية ومالية لفكرة «الثقل السني» للضباط والعناصر الذين سينتشرون في المدينة». وأكمل أبو معروف في الندوة قائلاً: «أمّا إذا جاء الجيش ليكمل مشوار المقاومة الوطنية فأهلاً وسهلاً، وبيوتنا مفتوحة له، سنحمي الوحدة الوطنية والعيش المشترك ولن تمر الفتنة الإسرائيلية. فالمشكلة ليست مع المسيحيين بل مع عملاء تعددت انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، والفراغ ستملأه القوى الوطنية». وذكر بعض من حضر تلك الندوة أن سعد «غادر بسيارة أحد الإعلاميين من باب خلفي بعدما تجمع عدد من العملاء بهدف افتعال مشكلة».
بعد محاولة اغتياله بسنتين، عقد مصطفى سعد مؤتمراً صحافياً اتهم فيه إسرائيل وجهاز المخابرات اللبنانية (آنذاك) والقوات اللبنانية بالتعاون فيما بينهم وبالشراكة الكاملة في محاولة اغتياله. كما عرض سعد شريط فيديو يتضمن تسجيلات بالصوت والصورة للضابطين في مخابرات الجيش اللبناني توفيق ت. وعلي س. ولأشخاص آخرين يشرحون عن العملية وكيفية تنفيذها وتوزيع الأدوار بين الأطراف المشاركة، إضافة إلى الهدف السياسي من الاغتيال. ولم يُسقِط تلك المعلومات والفرضيات بمرور الزمن، بل على العكس كان يضيف إلى ملفه القضائي ما يؤكد أنها أدلة تدحض نفي التهم (وخاصة أن البعض قال إنه أعطى إفادته تحت وطأة التوقيف) التي وجّهها إلى بعض المسؤولين الأمنيين بالضلوع في علاقة مشبوهة مع الإسرائيليين زمن الاحتلال والاشتراك معهم في تنفيذ الجريمة.
وينقل بعض المقربين عن سعد قوله إنه ومن باب الاحتياط، يجب حفظ بعض النسخ عن المعلومات والمستندات المهمّة المتعلقة بالتفجير في أماكن بعيدة و«وضعها كأمانات في أكثر من مصرف في الخارج لكي لا تطالها أيد عابثة أو تعرّضها لعمليات تشويه وبعثرة ومصادرة».
وبعد اغتيال القضاة الأربعة تحت قوس العدالة في صيدا، ربط سعد بين الاغتيال وقرب صدور قرار ظني كان متوقعاً أن ينهيه القاضي الشهيد حسن عثمان، الذي كان يتولى التحقيق في قضية التفجير، وفيه اتهامات مباشرة لضباط في الجيش وأفراد من القوات اللبنانية ولضباط إسرائيليين، بالضلوع في الجريمة. وقال سعد في حينها إن القاضي الشهيد عثمان كان قد أسرّ إليه قبل أيام من اغتياله مع ثلاثة قضاة آخرين أنه سيصدر قراره الظني في الجريمة في وقت قريب وبعيداً عن الإعلام، وقال سعد إن القرار كان سيحمّل المسؤولية لضباط، وبينهم أحد كبار قادة الأجهزة الأمنية آنذاك، وأن القاضي الشهيد عثمان قال له إنه يتعرض لضغوط، «لكنني سوف أمضي في طريق تحقيق العدالة وكشف الجناة».
وبعد اغتيال القاضي عثمان، انتقل الملف القضائي إلى القاضي جورج غنطوس. وتشير مصادر قانونية إلى أن ما في حوزة القضاء، من معلومات وأسماء، كفيل بمتابعة الملف.