القاهرة ــ نقولا ناصيف
ترى مصادر مسؤولة في الخارجية المصرية أن محكّ المبادرة التي اتّفق عليها، بالإجماع، وزراء الخارجية العرب في 6 كانون الثاني الجاري، يكمن في ما سينقله الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى اجتماع الوزراء المقرر في 27 من هذا الشهر. وفي ضوء تقرير موسى يحدّد الوزراء العرب الخطوات التالية. على أن الدبلوماسية المصرية تنظر بقلق إلى الطريقة التي يقارب بها الأفرقاء اللبنانيون المبادرة العربية، ولا يجدونها الفرصة المناسبة للحل. وتستند في موقفها هذا إلى معطيات، منها:
1 ـــــ ينبغي الأخذ بالتحرّك المصري الجدّي حيال الوضع اللبناني، غير الناجم عن مصادفة سياسية. ففي شهر واحد أطلق الرئيس حسني مبارك ثلاثة مواقف مهمة، على الأقل، عن لبنان أخصّها أمام رئيسي دولتين كبريين هما الفرنسي نيكولا ساركوزي والأميركي جورج بوش، فضلاً عن تحدّثه إلى وسائل إعلام أبرزت ليس حجم الاهتمام المصري بلبنان فحسب، بل دور القاهرة في إعادة التوازن إلى المنطقة من خلال انخراطها المباشر في الملفات الإقليمية الساخنة، سواء العربية ــــــ العربية، أو العربية ــــــ الإيرانية، أو الإسرائيلية ــــــ الفلسطينية. ومن غير أن تتوسّع في الملف اللبناني كي لا يبدو تدخلاً في شأن داخلي، أدرجت سعيها إلى تطبيع العلاقات السعودية ــــــ السورية. وهي بذلك وجدت في إطلاق الحل اللبناني مدخلاً.
2 ـــــ منذ قررت القاهرة والرياض دعوة وزراء الخارجية العرب إلى الاجتماع للبحث في الوضع اللبناني، وضعتا نصب أعينهما التوصل إلى حل يمثّل مخرجاً لكل الأفرقاء ولسوريا ويجنّب تلويح المجتمع الدولي بتدويل المشكلة اللبنانية. واستناداً إلى هذا التحذير حدّدت الدبلوماسية المصرية خطة عملها، وهو أنها ليست مع فريق لبناني ضد آخر، وليست ضد طرف إقليمي يدعم فريقاً لبنانياً. واهتمت خصوصاً بصيغة حل لا ترجّح كفّة على أخرى، انطلاقاً من ضرورة انتخاب رئيس جديد للبنان في أسرع وقت ممكن. تبعاً لذلك ترتكز جدية المبادرة العربية على ما ينتظره الوزراء العرب في 27 من الشهر الجاري للتحقق من مسار مبادرتهم. وهي إشارة إلى أهمية البندين الرابع والخامس في المبادرة المتعلقين بمهمة موسى في بيروت واجتماع 27 كانون الثاني.
وفي واقع الأمر، وفق ما تروي مصادر دبلوماسية عربية في القاهرة، لم تكن هذه حال اجتماع وزراء الخارجية العرب في 15 حزيران الماضي عندما أوفدوا إلى بيروت موسى على رأس وفد يمثل مصر وقطر وتونس والسعودية، منبثق من الاجتماع الوزاري، فجال ما بين 19 حزيران و22 منه على المسؤولين والشخصيّات اللبنانية. وبدأت مهمة الوفد في استطلاع المعلومات حيال شكوى لبنان من تدفق أسلحة من الحدود اللبنانية ـــــ السورية على «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد طبقاً لاعترافات قالت الحكومة اللبنانية إنها حصلت عليها، وأطلعت موسى ومرافقيه عليها في السرايا، فإذا بالوفد العربي يحوّل تحرّكه إلى ملف آخر هو حكومة الوحدة الوطنية والاستحقاق الرئاسي قبل أن يقع الفراغ الدستوري. وفي الحصيلة أعدّ موسى مشروع تقرير عن مهمة وفد الجامعة وزّع على أعضائه لتبنيه قبل أن يصار إلى توزيعه على الدول الأخرى الأعضاء، فلم يصر إلى تبنيه وطرحه في اجتماع آخر للوزراء الذين لم يلتئم عقدهم إلا في مطلع أيلول، ولكنهم اكتفوا بإمرار البند المتعلق بلبنان في صيغة دعوة اللجنة الوزارية العربية إلى متابعة تحركها حيال لبنان. ويبدو، وفق معلومات المصادر الدبلوماسية العربية، أن التقرير لمّح إلى مسؤولية سورية في عرقلة التفاهم اللبناني، فطوي الأمر. لكن ليست هذه حال اجتماع 27 كانون الثاني.
3 ـــــ حدّدت القاهرة سلفاً وجهة نظرها حيال المبادرة العربية، وهي أن هذه هي أقصى ما يمكن أن يقدمه العرب في ظل إجماعهم. في المقابل يتعيّن ألا يتوقع اللبنانيون ــــــ أو بعضهم ــــــ تراجع الوزراء العرب عن خطتهم للحل تحت وطأة سجال لبناني. ولذا يعتقد مسؤول بارز في الخارجية المصرية أن المبادرة العربية حل وسط لطرفي النزاع.
4 ـــــ تلاحظ الدبلوماسية المصرية أن التحفظ العربي عن موقف دمشق من الوضع اللبناني لا يتصل بالاعتراف بمصالحها ونفوذها في لبنان، وإنما بمعارضة وضع دمشق يدها على آليات الحكم اللبناني على نحو ما عرفه هذا البلد في السنوات المنصرمة وقبل انسحاب الجيش السوري منه عام 2005. تالياً ليس لمصر موقف مناوئ لسوريا، إلا أنها تعارض العودة بلبنان إلى ما كان عليه في تسعينات القرن الماضي. ولا تتردد الدبلوماسية المصرية في تأكيد الدور الإيجابي الذي أدّته، وخصوصاً وزير الخارجية أحمد أبوالغيط، في إقناع واشنطن بضرورة حضور دمشق اجتماع أنابوليس واستعجال جهود التسوية في المنطقة، المعنية بها سوريا خصوصاً وكذلك موقف مبارك من دمشق عندما حضها على المساعدة على حل الأزمة اللبنانية. وفي ذلك إشارة إلى الدور الإيجابي الذي تراه القاهرة لدمشق في لبنان.
5 ـــــ لا تجد القاهرة تفسيراً للبند الثاني من المبادرة العربية إلا ما حدّدته له المبادرة نفسها، وهو ألا يكون ثمة غالب أو مغلوب في معادلة الحكم الجديد. مغزى ذلك، في تقدير الدبلوماسية المصرية، أن هذه لا تستطيع المضي في تسوية تتعارض ونتائج الانتخابات النيابية اللبنانية عام 2005 التي أفضت إلى أكثرية وأقلية، ولا تجاوزها بمساواة حصة المعارضة بحصة الغالبية. ولم يرد لدى الوزراء العرب إطلاقاً حساب يرتكز على المثالثة. بل يشير هذا الموقف، وهو ما أعلنه أبوالغيط الأسبوع المنصرم، إلى حجب الثلثين والأكثرية المطلقة عن الموالاة، في مقابل حجب الثلث المعطل عن المعارضة. وفي واقع الحال يقتضي أن ينظر إلى هذا الحل على أساس أنه هزيمة لقوى 14 آذار أكثر منه للمعارضة لتجريده إياها ممّا كانت تتسلّح به في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وهو ثلثا مقاعدها. بذلك ترى القاهرة أن الضامن الفعلي لتوازن القوى في مجلس الوزراء هو رئيس الجمهورية. والأحرى ألّا يستغرق الجدل في المبادرة ويتعرقل تنفيذها ما دامت تؤيد ما أجمع عليه الأفرقاء جميعاً وهو انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً، مرشح الموالاة والمعارضة في آن واحد، وغير المعادي لدمشق.
وماذا عن القمة العربية في دمشق كما تراها الدبلوماسية المصرية وسفارة سوريا في القاهرة؟