طارق ترشيشي
حرص الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى قبيل مغادرته بيروت، أمس، على إبقاء باب الأمل مفتوحاً لتسويق المبادرة العربية التي جاء من أجلها، عبر القول إن هذه المبادرة «لم تصل إلى حائط مسدود» وإنما وصلت إلى «باب مسدود يمكن فتحه».
ولقد جاء موسى إلى بيروت تحت عنوان مبادرة عربية تفرض حلاً على أساس لا غالب ولا مغلوب، ولا أرجحية لأي من فريقي الموالاة والمعارضة في اتخاذ القرار في حكومة الوحدة الوطنية الموعودة، وأن «الصوت الوازن» أو المرجّح هو لرئيس الجمهورية الحَكَم بين الفريقين، الأمر الذي فسّره رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن خلفه المعارضة على أن الحكومة ينبغي أن تتكوّن من 10 وزراء للموالاة و10 وزراء للمعارضة و10 وزراء لرئيس الجمهورية. وإذ بموسى خلال اجتماع ساحة النجمة قبل أيام برعايته بين الرئيس أمين الجميل ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري يفسّر المبادرة بأنها لا تعطي النصف زائداً واحداً في الحكومة للموالاة ولا الثلث زائداً واحداً للمعارضة، فلا يكون لأي منهما قدرة التقرير أو التعطيل، إلا إذا مال وزراء رئيس الجمهورية لأي من الفريقين. وفي هذه الحال تتكوّن الحكومة من 15 وزيراً للموالاة وعشرة وزراء للمعارضة و5 وزراء لرئيس الجمهورية. ولكن على افتراض أن رئيس الجمهورية لم يَمِلْ بوزرائه لأي منهما حتى «يقرّر» أو «يعطّل»، فإن الموالاة لديها، بعلم موسى أو بغير علمه في هذه الحال القدرة على التعطيل أو على إسقاط الحكومة لأنها تملك 15 وزيراً أي أكثر من الثلث المعطّل المكوّن من 11 وزيراً، الذي إذا استقال تصبح الحكومة مستقيلة دستورياً.
وهذه الصيغة التي رفضتها المعارضة، دفعت بري إلى مطالبة وزراء الخارجية العرب (المصري والسوري والسعودي والقطري والعماني) الذين صاغوا المبادرة العربية بإعطاء التفسير الواضح لها، وخصوصاً أنها أُعلنت على أساس أنها لا تعطي الأرجحية في الحكومة لأي فريق، علماً بأن بري كان قد فسّرها بأنها لا تعطي أي فريق قدرة التعطيل أو التقرير في مجلس الوزراء، خلافاً لتفسير موسى الذي أعطى الأكثرية قدرة التعطيل علناً والتقرير ضمناً بحيث تصبح الأكثرية المقرّرة بانضمام وزراء رئيس الجمهورية إليها.
على أن موسى الذي اهتمّ بصيغة لحكومة الوحدة الوطنية اقترحها عليه الرئيس سليم الحص، ولكنه صرف النظر عنها بعدما اكتشف أنها تجسّد فعلاً مقولة عدم الأرجحية لأن الموالاة والمعارضة، على رغم أنه أثارها مع بري الذي سارع بدوره إلى الاجتماع بالحص والاطلاع منه على تفاصيل هذه الصيغة ليتبيّن له أنها تقضي بتأليف حكومة مصغّرة أو متوسطة:
ـــ الحكومة المصغّرة (من 10 وزراء) توزّع فيها المقاعد الوزارية كالآتي: 4 وزراء للموالاة و3 وزراء للمعارضة ووزيران لرئيس الجمهورية، والمقعد العاشر بكون شخصية محايدة تتولى رئاسة الحكومة (يقال إن هذه الصيغة ترشّح لرئاسة الحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو الوزير السابق عدنان القصار أو النائب بهيج طبارة إذا قبلته المعارضة).
ـــ الحكومة المتوسطة (من 16 وزيراً) توزّع فيها المقاعد الوزارية كالآتي: 6 للموالاة و5 وزراء للمعارضة و4 وزراء لرئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة يكون شخصية حيادية (ميقاتي، القصار، طبارة).
وبموجب هاتين الصيغتين لا يمكن الفريقين اتخاذ أي قرار إلا بالاتفاق بينهما، وكذلك لا يمكن أي منهما أن يسقط الحكومة عبر دفع وزرائه إلى الاستقالة. ففي حكومة الـ16 وزيراً على سبيل المثال يكون النصاب المقرّر أو المعطّل 6،30 وهو ما لا تملكه الموالاة حيث إن حصتها هي 6 وزراء فقط. أما نصاب التعطيل فهو 5،3 وزراء وهو ما لا تملكه المعارضة التي تبلغ حصتها 5 وزراء فقط.
ويقول مصدر بارز في المعارضة إن موسى «جاء ليؤدي ما عجز عنه الأميركيون بالضغط على المعارضة تحت ستار عربي، وقد كُلّف العرب بذلك وتحت عنوان إجراء مقايضة مع سوريا حول القمة العربية ولكن الجواب السوري الذي تبلّغه موسى كان الآتي:
«أولاً ـــــ لنا أصدقاء في لبنان ولسنا ولاة أمرهم.
ثانياً ـــــ إن للسعودية حلفاء وليس أصدقاء فلتضغط عليهم.
ثالثاً ـــــ ماذا أنتجت القمم العربية وآخرها في الرياض وقبلها في بيروت حيث أعلنت مبادرة عربية للسلام ألغاها الرئيس الأميركي جورج بوش بإعلانه من تل أبيب التي زارها أخيراً أن إسرائيل دولة يهودية، ثم زار عاصمة هذه المبادرة الرياض ولم يحتجّ عليه أحد، وبالتالي بدا أن هناك إقراراً ضمنياً بالموافقة على نسف المبادرة العربية».
ويضيف المصدر أن السوريين قالوا لموسى أيضاً إنه «إذا كان ثمن القمة بيع لبنان للإدارة الأميركية والموافقة على استباحة غزة وإقفال معابرها من الجهة المصرية، كما هي الحال من الجهة الإسرائيلية، فإن تاريخ سوريا لا يجيز لها أن تبيع أشقاءها مقابل صور للملوك والرؤساء لا ترفع حصاراً ولا تنصر شعباً ولا تمنع تقسيماً للعراق ولا تمنع احتلال الصومال ولا تساعد السودان، وبالتالي إذا كان مسموحاً لسوريا أن تتدخل فقط للضغط على المعارضة اللبنانية فإنها لن تتدخل اليوم ولا غداً إلا في حالة واحدة هي المساعدة على تحقيق التوافق اللبناني على قاعدة اللاغالب واللامغلوب».
ويلاحظ المصدر المعارض أن هذا الموقف السوري تكامل مع موقف المعارضة عبر خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء، ومن ثم موقف الرئيس بري في تفسير المبادرة.
ويقول: «عندما عجز موسى عن البقاء في الالتباس اللغوي وأُجبر على النطق بالتفسير الذي يخفيه بأن الكفّة هي لمصلحة الموالاة أُغلقت المنافذ لحصار المعارضة، وصرح موسى أن الباب مسدود، وبرز السؤال عمّن يفتح هذا الباب بمفتاح الوفاق والشراكة أو عمّن يخلع هذا الباب ويكسره للولوج إلى تحقيق الشراكة الوطنية ولو بالقوة». ويضيف: «إن المعارضة قد اتخذت القرار بإنقاذ لبنان على أساس قاعدة سياسية وطنية دون اختباء وراء المطالب المعيشية لأن منطقها يقول إن الطريق الأقصر لتوفير رغيف الخبز ومازوت التدفئة ومنع بيع الهاتف الخلوي وخصخصة قطاع الكهرباء يكون بإصلاح النظام وتغيير النهج السياسي الحالي، بمعنى أنه لا بد من تغيير السلطة أو على الأقل تزويدها بـ«كوابح» الثلث الضامن.
ويرى المصدر أنه «مع رحيل السفير الأميركي جيفري فيلتمان بعد سلفه الفرنسي برنار إيميه، وعلى مشارف توديع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون، «فإن لبنان يطوي صفحة مهمة في تاريخ الأزمة السياسية اللبنانية تمهيداً لكتابة صفحة جديدة تكون فيها المبادرة في يد المعارضة بعدما كانت التقطت أنفاسها بعد حرب تموز 2006».
ويختم المصدر: «الأيام المقبلة بعد اجتماع مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 27 من الجاري قد تكون حبلى بالمفاجآت الميدانية كما هي الحال في أيام غزة التي تنوء تحت الحصار الإسرائيلي بحيث يمكن أن يسقط حلفاء أميركا في لبنان قبل أن تسقط «حماس» في قطاع غزة».
أحد الظرفاء السياسيين علّق على مغادرة موسى بيروت خالي الوفاض من أي نتيجة لمهمته، وإعلان بري تأجيل جلسة الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة اليوم، فقال: «موعد الجلسة المقبلة هو 30 شباط!؟».