strong>محمد بدير
كان في وسع من يرغب في مشاهدة كيف تفقد إسرائيل توازنها أن يراقبها أمس وهي تتخبط في الرد على تصريحات الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في شأن حيازة المقاومة أشلاء جنود إسرائيليين. تخبّط وشى بوضوح بأن ما أعلنه الرجل أصاب مقتلاً في مقوّمات الكيان الذي من المعلوم أنه لا يتوحّد على شيء بقدر توحّده على قدسية جيشه وجنوده. ولمّا كان الإسرائيليون يعلمون أن معركتهم أمام صدقية نصر الله، فيما أعلنه، خاسرة حكماً، كما أقر معلّقوهم، انقسم الرد الرسمي على أقواله بين التنافس في كيل العبارات النابية بحقه وصولاً إلى الدعوة لتصفيته، ومحاولة تطويق مفاعيلها عبر الدعوة إلى تجاهلها كوسيلة للحؤول دون «تعظيمها».
وفي كشف لافت عن حقيقة المقاربة التي سعت مؤسسة الحكم في إسرائيل إلى انتهاجها حيال تصريحات نصر الله، قال مراسل الشؤون الأمنية في القناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي، نير دفوري، إن وسائل الإعلام ومراسليها تلقوا توجيهاً «من وراء الكواليس بأن نعمد إلى التخفيف من وقع تصريحات الأمين العام لحزب الله، بل إنهم طلبوا منا تقريباً عدم نشر أقواله». وأوضح دفوري، خلال برنامج حواري صباحي، أن «النقطة المركزية (وراء هذا الطلب) تكمن في أنهم يخشون هنا في إسرائيل من أن تحرّك أقوال نصر الله عائلة أو عائلتين (من أهالي الجنود القتلى) فيضغطا بدورهما باتجاه تحريك مفاوضات أو ما شابه، وهذا ما يحول دون الرد الرسمي من جانب إسرائيل».
بيد أنه بدا واضحاً أن وقع تصريحات نصر الله كان أكبر من أن تتمكن تل أبيب الرسمية من الصمت حيالها، فضلاً عن الطلب إلى وسائل إعلامها التقليل من شأنها؛ فسرعان ما وجد وزير الدفاع، إيهود باراك، نفسه يحاول احتواء الموقف المتفلّت لبقية الوزراء الذين تبارزوا، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، في إطلاق الألفاظ المسيئة بحق شخص نصر الله، مستغربين بقاءه على قيد الحياة.
ففي موقف متماهٍ مع فحوى ما كشف عنه دفوري، دعا باراك وزراء الحكومة إلى «عدم الانفعال» من نصر الله وكلامه، مشيراً إلى أن «الإفاضة في التطرق إليه تعظّم، دونما وجه صواب، شأن أقواله». وفي سعي واضح إلى سحب تصريحات نصر الله من التداول، طلب باراك من الوزراء تجاهلها، مضيفاً «إننا نبالغ في الأهمية التي نعطيها لنصر الله، إن هذا من مهمات الاستخبارات، إن أصل تطرق وزراء الحكومة إلى تصريحاته يعظّمها دونما حاجة».
وأوضح باراك، أمام وزراء الحكومة، رأي المؤسسة الأمنية في أقوال نصر الله، مشدداً على أنها لا تنطوي على جديد، «فقد قال أموراً مشابهة قبل أسبوعين». وخلص إلى أن نصر الله «يحاول المس بمشاعر العائلات الثكلى ومشاعر دولة إسرائيل التي تتألم جداً في القضايا المتعلقة بشهداء الحروب، لكننا سنفحص نصر الله فقط وفقاً لأفعاله».
وأعقبت تصريحات باراك عاصفة من ردود الأفعال وسط الوزراء الإسرائيليين، الذين شن عدد منهم هجوماً عنيفاً على نصر الله ، داعين إلى اغتياله. وقال موقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن جلسة الحكومة الإسرائيلية شهدت شبه إجماع على الدعوة إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله في أسرع وقت.
وقال وزير الداخلية، مئير شطريت، إن «نصر الله يهدف إلى العزف على أعصابنا، ولا ينبغي أن نذهل منه أو نرضخ له». وإذ دعا إلى تصفيته، رأى شطريت أن نصر الله «تجاوز كل الحدود الإنسانية».
ورأى وزير الشؤون الدينية إسحق رفائيل أن «نصر الله مجنون، ولا أفهم لماذا لا يزال على قيد الحياة. كان ينبغي تصفيته منذ زمن طويل، ولم يفت الأوان بعد للقيام بذلك»، في حين استخدم وزير الهجرة زئيف بويم كلمات نابية في وصف نصر الله، داعياً إلى التعجيل في اغتياله.
أما الجيش الإسرائيلي، المعني الأول بتصريحات نصر الله الذي اتهمه بفقدان الصدقية أمام شعبه، فقد لجأ، في خطوة استثنائية، إلى إصدار بيان رأى فيه أن التصريحات «تمثّل خطوة تهكمية وشريرة تنتهجها هذه المنظمة وزعيمها». وإذ امتنع البيان عن تأكيد أو نفي ما أعلنه نصر الله في شأن «أشلاء الجثث»، رأى أن حزب الله «يدوس برجل قاسية على القيم الإنسانية الأكثر صلة بكرامة الإنسان، ولا يحترم المعاهدات الدولية المتعلقة بهذه المسائل». وأضاف: «يكتسب هذا الأمر أهمية أكبر في ضوء حقيقة أن المنظمة الإرهابية تخرق القيم المقدسة لجميع الديانات، وبينها الديانة الإسلامية».
لكن صحيفة «هآرتس» نقلت أمس عن مصادر أمنية إسرائيلية تأكيدها أن حزب الله يحتجز أشلاء جثث لجنود إسرائيليين قتلوا خلال الحرب. وقالت الصحيفة إن الحديث يدور عن أشلاء جثث لنحو عشرة جنود إسرائيليين جرى إبلاغ عائلاتهم بهذا الأمر، وإن جثامينهم دفنت في إسرائيل بحسب التقاليد الدينية اليهودية.
بدورها، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «إسرائيل لن تجري مفاوضات مع حزب الله لاستعادة أشلاء الجنود». ووصف هؤلاء المسؤولون تصريحات نصر الله بأنها «تثير الغثيان»، مشيرة إلى أن تكرارها خلال أسبوعين يدل على أنه «متوتر، لأنه لا يحقق مطالبه في المفاوضات». وأشارت الصحيفة إلى أن القيادة السياسية في إسرائيل رفضت طلب نصر الله إجراء مفاوضات للإفراج عن معلومات في شأن حالة الجنديين الأسيرين، إيهود غولدفاسر والداد ريغف. وقالت إنه «من شبه اليقين أن نصر الله بات يعرف أن في الجانب الإسرائيلي يعرفون ماذا حصل لجنديَّي الاحتياط»، في إشارة إلى احتمال وفاتهما.