أنطون الخوري حرب
يتخذ التفاوض على حل أزمة الفراغ الرئاسي أبعاداً متناقضة في هذه المرحلة، حيث إن تبنّي الفريق الأكثري لترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة الأولى بعدما كان مرفوضاً من هذا الفريق لقربه من سوريا والمعارضة، أعاد خلط الأوراق.
وتفيد أوساط حزب الله والوزير السابق زعيم تيار المردة أن ترشيح سليمان أراح القيادة السورية لثقتها الكبرى به نظراً إلى إخلاصه الكامل لها في زمن الوصاية، إضافة إلى تمسكه بعقيدة الجيش التي تحدد إسرائيل عدواً دائماً للبنان فيما تحدد سوريا دولة حليفة وشقيقة.
كذلك يزيد من ارتياح سوريا لوصول سليمان ممانعته في وجه الضغوط والمغريات الحريرية والجنبلاطية. إلا أن التطورات التي تلت موقف 14 آذار الرسمي بتبني ترشيح سليمان ألقت أضواء جديدة على الموقف السوري. وأبرز هذه التطورات:
ـــ العلاقة التحالفية المتينة التي قامت بين سليمان وإلياس المر المرفوض من سوريا التي تتهمه بخيانة الرئيس السابق إميل لحود وتآمره عليه.
ـــ اللقاءات المتكررة بين سليمان ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، مع علم سليمان المسبق بموقف سوريا من جعجع.
ـــ الاجتماع الذي عقد بين سليمان والنائب سعد الحريري بحضور مسؤول أميركي كبير في لندن، وما تردد من كلام عن تفاهمات وتعهدات.
ـــ استقواء سليمان بدعم البطريرك صفير على أركان المعارضة المسيحيين، وفي مقدّمهم عون وفرنجية.
ـــ الإحاطة التي بدأ يتمتع بها سليمان من نواب سابقين وحاليين في 14 آذار، والذين يداومون في وزارة الدفاع.
ـــ الرسالة التي نقلها إلى سليمان من الأميركيين عميد في الجيش موجود في واشنطن، وبقيت طي الكتمان.
لكن تطمينات قائد الجيش للقيادة السورية أزالت تحفظاتها قبل أن يعيد موقف المعارضة المتمثل بتكليف عون التفاوض باسمها والتمسك به مرشحاً للمعارضة غير مطلوب منه التنازل عن ترشيحه ما لم تحل عقدة تأليف حكومة عهد سليمان الأولى، والتي جوبهت برفض قاطع من فريق الأكثرية الذي لم يرافقه موقف متميز لسليمان عنه، قبل أن يعيد موقف المعارضة ترشيحه إلى دائرة التعقيد، ولا سيما بعد الأجوبة التي نقلها عنه لهم أحد الأصدقاء المشتركين، والتي رأت القيادة السورية أن فيها شيئاً من التحدي والاستخفاف، مما دفع أحد السياسيين المعارضين للقول: «لقد قاومنا التدخل السوري للموافقة على ترشيح سليمان بعد مؤتمر أنابوليس بشدة، لكن سليمان أضرّ بنفسه خدمة لمنافسيه». لذلك يبدو الموقف السوري الرسمي اليوم أقل حماسة لتأييد ترشيح سليمان من قبل، وإن لم يصل إلى حد وضع الفيتو على اسمه بعد.
وفي هذه الأثناء، يدور كلام بين طرفين في المعارضة والسلطة عن نصائح جديدة لسليمان تطالبه التزام قيادته دون التنقل بين الأفرقاء وحسم موقفه السياسي إما بالصمت وإما بموقف علني صريح بشأن رؤيته للتعامل السياسي مع المعارضة و14 آذار، وإلا فإن ترشيحه سيتحول إلى مادة جديدة للانقسام السياسي من دون حل يسبق تقاعده من منصبه عند بلوغه السن القانونية أوائل الصيف المقبل. وبدل أن يكون هو المنقذ، سيخرج من يقول: «أنقذونا من المنقذ».